الحصانة البرلمانية الرشيدة

دائما ما يثار موضوع الحصانة قبيل الانتخابات البرلمانية في شتى دول العالم، وفي مصر كغيرها تحظى مسألة الحصانة البرلمانية بالاهتمام خاصة وأن الحصانة لها رونق وبريق اثر على شكل الانتخابات في مصر  خلال حقبة ما قبل ثورة 30 يونيو.

إن الحصانة البرلمانية مبدأ دستوري مقرر لصالح البرلمان الممثل للأمة ضماناً لاستقلاله في عمله وحماية لاعضائه بصفاتهم (لا بأشخاصهم)، ومنحهم الثقة الكاملة في إثراء العمل البرلمانى، واداء واجبهم بكل حرية دون أى مسئولية جنائية أو مدنية تنرتب على ذلك.

نشأت فكرة الحصانة في لائحة الحقوق بإنجلترا في القرن ال 17، وانتقلت الى فرنسا التى اقرتها في 1789م بمسمى (المناعة)، وامتدت الى الولايات المتحدة ودساتير دول العالم المختلفة كضمانة لحسن سير العمل البرلمانى.

وقد استثنت من تلك الحصانة وقتئذ (جرائم الخيانة العظمى وقضايا الجنايات والاخلال بالامن )، حيث كان يتم القبض على عضو البرلمان في حال ارتكابه اى من هذه الجرائم دون رفع الحصانة عنه.

وعرفت الحصانة البرلمانية في مصر بصدور لائحة مجلس النواب الأساسية في 1882، وتوالت  في معظم الدساتير حتى دستور 2014م،  الذي أقر مبدأ عدم  مسئولية عضو مجلس النواب عما يبديه من آراء تتعلق بأداء أعماله فى المجلس أو بلجانه، ولا يجوز فى غير حالة التلبس بالجريمة، أن تتخذ ضد أى عضو من أعضائه أية إجراءات جنائية “أثناء دور انعقاد مجلس النواب” إلا بإذن سابق من المجلس.

بمعنى أن هذه الحصانة لحماية عضو مجلس النواب المنتخب أو المعين  من إقامة الدعوى العامة ضده  بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته ولو بعد ما ترك منصبه وغدا شخصاً عادياً، ويطلق عليها الحصانة ضد المسئولية البرلمانية .

أما الحصانة ضد الاجراءات الجنائية المنصوص عليها فتتمثل في عدم جواز اتخاذ اجراء جنائي ضد أى عضو في غير حالة التلبس بالجريمة، إلا بإذن مسبق من المجلس النيابى الذى يتبعه.

وهنا يثار التساؤل عما اذا كانت الحصانة تشكل شرعية للاعضاء في ارتكاب الجرائم دون محاسبة خلال الدورة النيابية؟ وما مسئولية العضو عن الجرائم التى يرتكبها خارج اعمال المجلس ضد الغير اذا لم ترفع الحصانة عنه؟ وما اثار ذلك على الحقوق ؟

نجد أن المجلس لن يعطى حصانة او صك على بياض لحماية الاعضاء من المسئولية الجنائية عن الجرائم التى يرتكبونها، وانما فقط لأخذ موافقة المجلس على السير في  الاجراءات القانونية ضد العضو قبل الشروع فيها، وبعد التأكد من أن الدعوى أو الإجراء ليس مقصودا به منع العضو من أداء مسئولياته البرلمانية بالمجلس.

أما التساؤل الثانى عن اعفاء  العضو من العقوبات المقررة للجرائم التى يرتكبها خارج اعمال المجلس ضد الغير.  فهنا نفرق بين حالة ما اذا ارتكب العضو فعلا يشكل جنحه ، وبين حالة صدور حكم ضده في جنحة بالحبس او الغرامة.

ففي هذه الحالة الافتراضية فإن العضو الذى يرتكب فعل مجرم قانونا ( مخالفة – جنحه)، ولم يوافق المجلس على رفع الحصانة، فتكون هناك اثارا قانونية ومدنية مباشرة كالتالي: ففى حالة المخالفة فتسقط خلال سنة  من تاريخ ارتكابها، وتنقضى الجنحة بمضى ثلاث سنوات من تاريخ ارتكابها. وبالتالي يكون النائب حصل على صك حماية دون وجه حق.

وفي حالة صدور حكم على النائب في مخالفة او جنحة، ورفض المجلس رفع الحصانة عنه، فيسقط الحكم في المخالفة بمرور سنتين، ويسقط الحكم في الجنحة  بمضى خمس سنوات التى قد تكون هى مدة الدورة النيابية، الامر الذى ينعكس سلبا على حقوق الغير.

ومن هنا نعرض تصوراً جديداً للحصانة البرلمانية (الرشيدة) بغرض التوافق مع سياسة الدولة بعد ثورة 2013، وبما يتماشى مع إستراتيجيات الدولة والاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد، يكمن في الاقتداء بالنموذج الإنجليزى بحيث تكون حصانة البرلمانى داخل المجلس فقط، وأن يتعامل خارجه كأى مواطن لتحقيق المساواة والعدالة، والحفاظ على حقوق الغير، والبُعد عن المصالح الشخصية الضيقة، ولللارتقاء بمفهوم ومعنى خدمة المجتمع والوفاء بوعود الناخبين، ولوضع بنيان جديد للديمقراطية بالمجتمع المصري، والعمل على تحسين الصورة الذهنية لدى المواطن عن الانتخابات البرلمانية  في مصرنا الحديثة من خلال الاستفتاء الدستوري على ذلك.

About Post Author