د بهاء حلمى يكتب: الاتحاد الاوربي وأزمة الهجرة غير الشرعية
الجمعة 26/يناير/2018 م
شهدت فعاليات القمة الإفريقية الأوروبية الأخيرة التى عقدت فى أبيدجان بساحل العاج اهتمامًا وزخمًا سياسيًا وإعلاميًا كبيرًا حول مشكلة الهجرة غير الشرعية من ليبيا إلى دول الاتحاد الأوروبى.
وأعلن مسئولون اتفاق الاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى على خطة جديدة لمواجهة الهجرة غير الشرعية من خلال أطر وسياسات مختلفة عما سبق تعتمد على تفكيك شبكات تهريب البشر وإعادة توطين المهاجرين العالقين، كما تتضمن الخطة تشكيل قوة أمنية، على غرار وحدات الشرطة التابعة للأمم المتحدة تتألف من أفراد شرطة أوروبيين وأفارقة وعناصر مخابراتية لها سلطات لاعتقال المهربين بعد التعرف عليهم، ومكافحة شبكات التهريب ومصادر تمويلها مع تجميد أصول وفرض عقوبات على المهربين المعروفين.
الأمر الذى يعبر بجلاء عن حجم الأزمة التى تتعرض لها دول الاتحاد الأوروبى بعد إخفاقها فى سياساتها لمكافحة الهجرة غير الشرعية التى تعتبر إحدى نتائج عدم الاستقرار فى ليبيا، كما يشير المشهد إلى محاولة الاتحاد الأوروبى الالتفاف حول المشكلة والتنصل من مسئولية الدولة الأوروبية أخلاقيًا وقانونيًا عن استضافة اللاجئين والمهاجرين الفارين بحثًا عن حياة أفضل فى القارة العجوز، أو الهاربين من الاضطهاد والعنف وفقًا للقانون الدولى، وكذا محاولة التهرب من مسئولياتهم بشأن الحرب والخراب الذى أصاب المجتمع الليبى بعد أن طالت تلك الدولة مخاطرة الهجرة غير الشرعية، وهو ما يمكن أن نطلق عليه «انقلاب السحر على الساحر».
كما فشلت الوسائل غير المشروعة التى لجأت إليها بعض الدول الأوروبية فى مكافحة هذه الظاهرة مثل اللجوء إلى دعم بعض الجماعات والميليشيات المسلحة فى ليبيا بالمال والتغاضى عن ممارستهم العنف والقتل وممارسة أبشع الجرائم الإنسانية ضد أولئك المهاجرين سواء كان على الأرض أم فى البحر.
وبالتالى فإن الخطة الجديدة المزعومة سيتم تنفيذها تحت مظلة الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبى والإفريقى مما يضفى عليها الشكل القانونى الدولى، ويسمح بالدخول إلى الأراضى الليبية بقرارات أممية طالما كانت هناك مشكلات تواجه الدول الأوروبية، ويثار التساؤل حول أسباب عدم اكتراث الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبى بدراسة الحلول الفعالة للوضع الليبى تنسيقًا ودول الجوار؟ لماذا عدم الاهتمام بتحقيق الاستقرار والتنمية والديمقراطية وبناء مؤسسات الدولة التى تنهض بطموحات الشعب الليبى؟ لماذا يتم التعامل مع العرض وترك المرض دون علاج؟ على الرغم من وضوحه وسهولة معالجته من خلال التعاون فى مكافحة الإرهاب وتفكيك الميليشيات والحد من انتشار السلاح وبناء قوات مسلحة وطنية تحافظ على أمن المجتمع ومستقبله.يمكن القول بأنه على الرغم من اختلاف سياسات دول الاتحاد الأوروبى وغيرها وتناقض بعضها فإنها تؤدى جميعها إلى نتائج واحدة وهى: تحويل ليبيا إلى جدار أمنى للدفاع عن أوروبا فى مواجهة الهجرة غير الشرعية، تأثر النسيج الوطنى فى ليبيا جراء توطين أولئك المهاجرين، استمرار حالة عدم الاستقرار وتعزيز الانقسام لنشر الفوضى والإرهاب بالمنطقة، وإذا كان الهدف هو الدخول إلى ليبيا ومحاولة الضغط على الحلفاء الإقليميين أو إيجاد دور فاعل لهم فى المشهد الليبى دون التعاون فى مواجهة الإرهاب، فإنه يعتبر خطأ جسيماً من جانب دول أوروبا لأن خطر الإرهاب لا يهدد دول الجوار أو دول الإقليم فحسب بل ستمتد إثارة السلبية إلى العالم أجمع.
لذلك يتعين على الاتحاد الأوروبى وجميع دول العالم النظر إلى مشكلة الهجرة غير الشرعية بشكل أعمق وفكر مستنير لكشف الأسباب الحقيقية لتلك الظاهرة وعدم الاكتفاء بمكافحة عصابات تهريب البشر أو الجريمة المنظمة فلا بد من مساعدة الدول الإفريقية للاستفادة بالموارد الطبيعية وحل النزاعات المسلحة، وكف شركات السلاح عن توريد الأسلحة لجميع الفرقاء، وإذا كان استقبال دول أوروبا للمهاجرين اللاجئين مسئولية أخلاقية وقانونية فإن إحلال السلام ودعم الشعوب للحصول على حقوقهم فى التنمية والتعليم والثقافة ونشر قيم التسامح والسلام مسئولية والتزام على الدول المتقدمة فضلاً عن كونه أحد أساليب حماية الأمن القومى وسلامة شعوب العالم.