د بهاء حلمى يكتب: نحو صياغة استراتيجية جديدة للتعامل مع تقارير حقوق الانسان

في 22/10/2017م

صياغة إستراتيجية جديدة للتعامل مع تقارير حقوق الإنسان  

إن جعل مصر موضوعا للملاحظات الدولية والتلقين المستمر في مجال حقوق الإنسان يرجع لسببين رئيسيين، الأول خارجي وهو اجراء تقوم به بعض الدول والقوي الخارجية التي نجحت الارادة المصرية في إفشال مخططاتها، وتزداد معدلات تلك الملاحظات وتوقيتاتها كلما حققت مصر تقدما ملموسا سواء كان في مجال مكافحة الإرهاب أو في مجال خطط الإصلاح والتنمية الاقتصادية أم في النجاحات المستمرة علي الصعيد الدولي نتيجة الجهود المبذولة لاستعادة مصر دورها المؤثر إقليميا وعالميا في ظل استمرار تماسك الجبهة الداخلية علي الرغم من كلفة سياسات الإصلاح الاقتصادي، ومحاولات الجماعة الارهابية للنيل من قناعة وقدرة الشعب المصري في مواجهة التحديات للعبور نحو مستقبل واعد للأجيال القادمة،وهو أمر معلوم ويتم التعامل معه وفق رؤية وطنية تحقق الصالح العام.

 وبالضرورة فلن تنقطع منظمات ولجان حقوق الإنسان الدولية عن إصدار تقاريرها المنحازة للقوى الدولية التي تستثمرها وتضفي عليها  رؤيتها  لتصبح مرجعية وآلية سياسية يتم فرضها لخفض أو حجب المساعدات التي تشكل حق أصيل بمقتضي اتفاقية السلام مع إسرائيل بغض النظر عن مدي أهميتها ومدي تأثيرها علي القرار الوطني، ومثال ذلك رضوخ الإدارة الأمريكية لتخفيض بعض المبالغ المخصصة في إطار برنامج المساعدات الأمريكية لمصر سواء من خلال تخفيض بعض مكونات الشق الاقتصادي من البرنامج أو تأجيل صرف بعض مكونات الشق العسكري بدعوى عدم احراز تقدم على صعيد احترام حقوق الانسان والمعايير الديمقراطية، أم لاستخدامها في محاولة فرض عزلة دولية للتأثير السياسي والاقتصادي على البلاد ومثال ذلك محاولات التأثير علي قرار الاتحاد الأوربي في 2016م .

  والسبب الثاني داخلي يرجع لاستمرار الفكر التقليدي لبعض مؤسسات الدولة في سياستها بعدم ايلاء الاهتمام الكافي لهذه التقارير، وعدم الرد علي مضمونها، وتركيز الآلة الاعلامية المحلية في حشد الرأي العام الداخلي ضد منظمات حقوق الانسان وتوجهاتها وتمويلها وتقاريرها وعدم حيادها، في الوقت الذي تتجاهل فيه الدولة الرأي العام الدولي مما يؤدي إلي عدم تحسين الصورة الذهنية عن حقوق الانسان في مصر على الأخص بعد يونيو 2013م، كما يمكن تفسير ذلك على  عدم وجود ارادة حقيقية لتغيير تلك الأوضاع.

 الأمر الذي يدعو إلي الحاجة لبلورة رؤية استراتيجية جديدة  للتعامل مع تقارير حقوق الانسان الدولية، وعلاج مسألة ضعف دور المجلس القومي لحقوق الانسان علي الصعيدين الدولي والوطني والتي ظهرت جليا عندما ارسلت 16 منظمة حقوقية مصرية يوم 9 مارس 2016 خطابا للمفوض السامي لحقوق الانسان بالأمم المتحدة حول تردى حالة حقوق الانسان في مصر متضمنا ملفات أساسية شملت ( القتل خارج القانون – عنف الشرطة – السجن والتعذيب وإساءة المعاملة – حرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع..إلخ)، وتوصياتها لوقف تدهورها المستمر، ولم نسمع وقتها من المجلس القومي لحقوق الانسان المستقل عن مدي مصداقية تلك الأوضاع وخطة عمله وما تم انجازه منها، وبالمناسبة نلاحظ تركيز تقرير هيومن واتش الأخير علي تلك الملفات أيضا، كما نلاحظ غياب رؤية وتقارير مجلس حقوق الانسان عما تضمنه تقرير منظمة هيومن واتش من ملاحظات متعلقة بالتعذيب بالسجون وغيرها، واقتصر الدور علي ابداء عضوين أو أكثر عن رأيهم الذي تمثل في انهم سبق وقدموا النصح وعلي مصر تحمل التبعات الدولية لاقرارها قانون الجمعيات دون إشارة من قريب أو بعيد حول المسائل الواردة في التقرير، وبعد أيام صرح رئيس المجلس بعدم وجود تعذيب في السجون وقد وضح افتقاد المجلس لدوره المؤثر والمأمول.

 كما تبرز الحاجة إلى صياغة آليات لمتابعة التنسيق بين مجلس النواب ووزارة الخارجية ومنظمات المجتمع المدني لتنسيق الجهود وتوزيع الادوار في إطار واضح وشفاف للمشكلات والمعوقات والجهود وخطط العمل المستقبلية لمتابعة تطور حقوق الانسان في مصر.

مما لا شك فيه اننا نتفق في عدم شفافية تلك التقارير التي تعتمد علي العموميات، وبناء فرضيات على أسس غير واقعية،والاستناد إلي تقارير جمعيات وطنية تتبني توجه قطر والاخوان ضد شعب مصر، وتتضمن العديد من المتناقضات، وتم صياغتها بأسلوب يكشف النوايا الحقيقية في انحيازها ضد الدولة، إلا انه لا مناص إلا بالتعامل الموضوعي مع تلك التقارير وفحص ماورد بها من ملاحظات بدقة وعناية، باعتبار أن مسائل حقوق الانسان  مرتبطة بالأمن القومي، ولا يجوز التهاون في تعزيزها وترسيخها على المستوي الوطني أو الأهمال في عدم الرد علي ملاحظاتها لما يمكن أن يرتبه ذلك من آثار مستقبلا في عالم متغير ومتضارب.

لذلك فمن الضروري اتباع عدة اجراءات أهمها أولا: الاستفادة من الدروس السابقة المتمثلة في أخذ الجهات الأمنية الادعاءات السابقة لذات المنظمة بشأن الاخفاء القسري علي محمل الجد، واعلان الدولة ممثلة في وزارة الداخلية عن نتائج الفحص الذي أسفر عن اكتشاف سفر غالبية المختفين المحددين  بالاسماء  للانضمام لداعش مما أدي إلي تلاشي الادعاء واسكات الأصوات.

 ثانيا: اجراء تعديلات علي قانون الجمعيات مع حق الدولة في ممارسة سيادتها علي التمويل والانشطة قي مجال العمل الأهلي، وتخفيف القيود بقانون الجمعيات من خلال إزالة التكرار ورفع عقوبة الحبس سنة في حالة تغيير مقر الجمعية أو المؤسسة دون إخطار في الموعد المحدد بالقانون وتسهيل الابحاث الميدانية تحت اشراف الجهات المعنية للاستفادة بتلك الدراسات وتحقيق تقدم ملموس على الارض في هذا الاطار برؤية وطنية واضحة.

 ثالثا: تفعيل دور المجلس القومي لحقوق الانسان على الصعيد الوطني والدولي وترسيخ مصداقيته وتعزيز استقلاله وفقا للتعديل القانوني الأخير مع الزام مؤسسات الدولة بالتعاون وسرعة الاستجابة لطلباته لمباشرة دوره واضطلاعه باعلان الحقائق والسلبيات والاجراءات الواجب أتباعها لمداركتها، واعلان نتائج تقييم وضعية حقوق الانسان في مصر كمرجعية وطنية وجعلها محددا للتعامل مع التقارير الدولية، وانشاء مرصد لتحول حقوق الانسان في مصر ضمن السياق الانتقالي بعد ثورة يونيو 2013 ودستور 2014، مع تحديد مرجعية للحكم علي رؤية المراقبين الدوليين لتقدم حقوق الانسان في مصر.

وأخيرا نري أنه من المناسب تعيين قاضي تحقيق خاص للتحقيق في شكاوي التعذيب وما تضمنه التقرير مع اعلان النتائج ليكون ذلك ابلغ رد للكشف عن مصداقية منظمة هيومن واتش وغيرها.

About Post Author