د. بهاء حلمي يكتب: الأسرة.. حجر الزاوية فى الوقاية من الإدمان

إن المخدرات ظاهرة اجتماعية قديمة، وقد نمت أساليب مكافحتها على كافة الأصعدة سواء كان بالتعاون الدولى أم بالجهود الوطنية من خلال سن التشريعات والعقوبات والحملات الأمنية المستمرة لمداهمة أوكار الجريمة، وعلى الأخص أوكار المخدرات ومراكز بيع وتعاطى تلك السموم وتدمير الزراعات لتجفيف المنابع ومواجهة التهريب لحماية المجتمع من أضرارها.
كما أن العولمة أفرزت أنواعا وأساليب جديدة للإدمان لا تقل خطورة عن المخدرات وآثارها السيئة ليست على مستوى صحة الأفراد والشباب فحسب بل على مستوى المجتمع والاقتصاد والصحة كما أن انتشار المخدرات يؤدى إلى الإضرار بأخلاق المجتمع واستقراره وأمنه.
وللأسف قد يبدأ التعاطى بعد المرة الأولى التى قد تكون بدافع النزوة أو على سبيل التجربة فربما فى البداية قد يشعر متعاطى المخدرات بالفرح والنشوة والوصول إلى الخيال والبعد عن الواقع وبعد فترة ينقلب إلى الندم والخمول والحزن والكسل.
ويُعد العلاج من الإدمان أحد المحاور المهمة فى استراتيجيات مكافحة المخدرات والتى يتعاظم فيها دور الأسرة سواء كان من حيث متابعة الابناء ورصد أى مؤشرات عن تعاطى أى منهم للمخدرات أو الإدمان ثم الاضطلاع بمساعدتهم فى العلاج واجتياز تلك المرحلة الحساسة والحرجة بقدرة وعزيمة.
فإذا كان الفرد هو البنية الأساسية فى بناء المجتمع، فإن الأسرة هى الخلية الأولى فى تنشئة وتكوين الأطفال وأفراد هذا المجتمع، لأنها مصدر التربية والمعرفة بالنسبة لأبنائها وهى التى يتشرب منها الفرد العقيدة والقيم والأخلاق والأفكار والعادات والتقاليد.
ويمثل الوالدان القدوة الحسنة التى تنعكس على الأبناء، والأسرة المستقرة حصن ضد الإدمان بجانب دورها فى بناء شخصية الأبناء وتنمية مهارتهم وترسيخ روح الانتماء لديهم تجاه الأسرة والمجتمع والوطن، وعلى قدر ما تعطيه الأسرة من احترام لكرامة وأفكار وتطلعات وطموحات الأبناء بقدر ما تصقل شخصياتهم، وتسمو فيهم روح الالتزام بالأخلاق والقيم الدينية والبُعد عن أصدقاء السوء. هذا عن دور الأسرة فى تنشئة الأبناء أما عن دورها فى مجال متابعة سلوكهم فلا يقل أهمية عن دورها السابق وذلك بغرض اكتشاف أى مؤشرات أو أعراض قد تشير إلى تعاطى أو إدمان المخدرات مثل: الاكتئاب والعُزلة/ السلوك العدوانى/ شحوب لون الوجه/ الخمول والكسل/ التعب عند بذل أى مجهود/ المراوغة وعدم الصدق/ التغيب عن المنزل/ فقدان الشهية نحو الأكل/ الصداع واحمرار العين/ اختلال فى التوازن العصبى للجسم/ تهيج الأغشية المخاطية/ الالتهاب الرئوي/ سوء الهضم/ التهاب أعضاء ووظائف الجسم وصولاً لتحطيم الخلايا العصبية.
وبالتالى فإن متابعة سلوكيات الأبناء على درجة كبيرة من الأهمية وإذا كان هناك دور مهم للمؤسسات التعليمية والدينية والثقافية والرياضية والإعلامية والمجتمعية فى مكافحة الإدمان فالأسرة هى حجر الزاوية فى مساعدة الأبناء على العلاج من الإدمان مثل دورها فى الوقاية منه لأنها تمثل مصدر العطف واحتواء المدمن ومساعدته، والتعامل معه كمريض يحتاج للدعم والمساندة، وعدم التوبيخ أو استخدام العنف اللفظى أو أى شكل آخر خشية تحطيم المعنويات التى تُشكل أحد العناصر الأساسية للبناء عليها لإعادة تأهيل المدمن وعلاجه واندماجه بالمجتمع.
فإن كان العلاج الطبى أو الدوائى لإزالة سمية المخدرات من جسد المتعاطى مهماً إلا أنه يشكل أحد جوانب العلاج وليس كله فلابد من تدخل الأسرة لتشكل الجانب الإنسانى والاجتماعى والأخلاقى بما يساهم فى العلاج من تعاطى المخدرات وخطر الإدمان.
لذلك فالتعاون وإدراك ثقافة احتواء المتعاطين نفسياً وجسدياً فى رحلة العلاج والتعامل معهم على أنهم مرضى لا مجرمون طالما كانوا كذلك، ومساعدة المصابين وإرشادهم للعلاج أمر حيوى، وعلى الدولة توفير أماكن للعلاج من الإدمان وفق برامج طبية إجتماعية تضاهى المعايير الدولية والأساليب الحديثة بجانب جهودها ودورها المشهود فى مكافحة المخدرات على المستوى الوطنى والتعاون الدولى.
الجمعة 11/مايو/2018 – 09:39 ص

About Post Author