د. بهاء حلمي يكتب: التوك توك بين الفوضى والتنظيم
ترجع مشكلة التوك توك في مصر الى تقاعس الحكومات المتعاقبة في مسألة تقنين وتنظيم وترخيص استخدامه ونطاق تحركاته حتى اصبح يشكل أحد مظاهر الخروج على القانون وعنوانا للفوضى في الشارع المصري، مما ينال من رصيد المظهر الحضاري الذى يجب ان تكون عليه ارض بناة الاهرامات والحضارة والتاريخ.
إن جمود حل مشكلة التوك توك يجعلها تتمدد وتتفاقم يوما بعد يوم بما ينعكس سلبا على المجتمع، انه من الغريب في بلد ترتيبها الاولى على مستوى العالم في عجائب الدنيا السبع أن تسمح باستيراد معدات وادوات ممنوعه او محظور ترخيصها مثل التوك توك، والسارينة وغيرها مما يخلق معه مثل تلك المشكلات.
إن فوضى مملكة التوك توك لها العديد من الاثار السلبية على الوضع الامنى والقانونى والاجتماعي والاقتصادى للدولة، فمن الناحية الامنية والقانونية تشكل خطرا حقيقيا على حياة مستخدميها من المواطنين نظرا لتولى الاطفال قيادة بعضها، والسير بها على الارصفة وفي الاتجاه المعاكس، واختراق بعض الشوارع والطرق الرئيسية في بعض احياء القاهرة والمحافظات المختلفة.
ومن الشائع رؤية التوك توك ينطلق في بعض الاحياء من وفي كل اتجاه دون تراخيص أو لوحات ودون أى ضوابط لقيادتها او للالتزام بقواعد واصول المرور مما يشجع البعض على ارتكاب الجرائم ومخالفة القانون مما جعل الكثير من الناس يرون في التوك توك وسيلة خطرة على حياتهم.
ومن الناحية الاجتماعية فعلى الرغم من انها تمثل أحد الحلول في مواجهة البطالة إلا انها بيئة جاذبة لاصحاب المهن والصناع لترك حرفهم واللجوء الى قيادة التوك توك لكسب العيش لهم واسرهم بوسيلة سريعة وسهلة مما اثر سلبا على الصناعة والايدى العاملة التى يتحاجها السوق المصري وعلى الاخص في المجالات التى تتطلب بذل جهد لانجازها، اضافة الى ان هذه الوسيلة قد تكرس المفاهيم الخاطئة والحط من قيم العمل والانتاج لدى النشئ.
أما من الناحية الاقتصادية فهى تمثل اهدار للضرائب والرسوم التى يجب تحصيلها لصالح الدولة مقابل الترخيص واستخدام تلك الوسائل، اضافة الى ان لجوء كثير من الشباب بشراء وتشغيل التوك توك باعتباره مشروع متنامى الصغر أو من المشروعات الصغيرة ذات الربح والعائد المادى الذى يتميز بدورة مالية سريعة يعتبر اقتصادا غير رسميا يهدد جهود الدولة والسياسات الاقتصادية والنقدية كما يمثل ثغرة ونافذة للتهرب من الضرائب وحقوق المجتمع.
إننا أمام مشكلة حقيقية في ضوء عدم التيقن من وجود قواعد بيانات دقيقة بشأن حصر اعداد التوك توك أو اعداد من يتولى قيادتها سواء كانوا من من الاطفال أو الكبار، وحجم انتشارها على مستوى الجمهورية، والمهن والحرف التى تأثرت جراءها بغض النظرعمن تسبب فيها او ساهم في تفاقمها أو لاى سبب آخر، حيث ان كل الشواهد والنتائج تشير الى تعاظم حجم المشكلة وحساسيتها كونها تعتبر مصدر رزق لكثير من الاسر، وبالرغم من المناقشات والاراء الكثيرة حول تلك المشكلة واخرها مناقشات مجلس النواب في شهر فبراير الماضى إلا انه لا يلوح في الافق اطارا للحلول.
الامر الذى يدعو الى سرعة وضع تصور شامل لحل المشكلة بما يحقق سيادة القانون ويعزز الامن والطمأنينة بالمجتمع، من خلال وضع ضوابط وشروط للتراخيص والقيادة لضمان حسن السير السلوك والحد من ارتكاب الجرائم في هذا الاطار، وبناء قاعدة بيانات لمالكية ومستخدمية مع تحديد قيم الضرائب والرسوم المقررة على التراخيص على ان يشمل العقوبات المقررة في حال مخالفة القانون والقواعد المنظمة، مع وضع اطار لآليات المتابعة وتقييم تلك الحلول وتطويرها اول بأول بما يعالج السلبيات ويعظم الايجابيات ويحقق الامال المنشودة لقائدى ومستخدمى التوك توك والمجتمع ككل.