د. بهاء حلمي يكتب: الحرمان من الجنسية والمعايير الدولية

كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن موافقة الحكومة على مشروع تعديلات القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، وعلى الأخص فيما يتعلق بحالات سحب الجنسية المصرية أو إسقاطها، وقد ظهر اتجاهان متضادان الأول ينادى بسيادة وحق الدولة فى سن قوانين تحكم اكتساب الجنسية أو التخلى عنها أو فقدانها طبقا للقانون الدولى، والاتجاه الثانى يشير إلى القيود المفروضة على سلطة الدولة وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان نظرا لما يرتبه ذلك الحرمان من عواقب وخيمة فى حالة انعدام الجنسية.
حيث يفقد منعدمو الجنسية العديد من الحقوق مثل الإقامة والأحوال الشخصية وحق الاشتراك فى الجمعيات والأحزاب السياسية، وحرمانهم من الحماية الدبلوماسية وعدم إمكانية استخراج جواز سفر أو بطاقة هوية من موطنهم باعتبارهم مطرودين من جانب الدولة التى اسقطت عنهم الجنسية إضافة إلى المعاناة النفسية من وضع عديمى الجنسية حيث تعرف اتفاقية 1954 الشخص عديم الجنسية بأنه شخص لا تعتبره أى دولة مواطنا بمقتضى تشريعها.
وكالعادة فهناك ما يستثمر تلك الحالات لإحداث حالة من اللغط والبلبلة فى الرأى العام طالما كانت هناك مؤشرات على تطابق تلك الحالات مع بعض المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية ما قد يعرضهم للحرمان من الجنسية، الأمر الذى دفعهم إلى تركيز جهودهم لمحاولة حشد الرأى العام الداخلى والخارجى لبدء جولة جديدة ضد مصر لتصوير مقترحات الحكومة بأنها تعسف من جانب الدولة أو أنها لدوافع سياسية على غير الحقيقة.
لذلك نرى أهمية إيضاح تلك المسائل لنتعرف على الوضع القانونى، ومدى التوافق مع المعايير الدولية كالإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية والصكوك الصادرة عن أجهزة الأمم المتحدة المرتبطة بالحق فى الجنسية وضمان عدم التعسف فى الحرمان منها.
نجد أن الدستور نص على حق الجنسية لمن يولد لأب مصرى أو أم مصرية، والاعتراف القانونى به ومنحه أوراقا رسمية تثبت بياناته الشخصية حق يكفله القانون وينظمه.
وحدد القانون شروط اكتساب الجنسية كما يحدد الحالات التى يجوز فيها إسقاط الجنسية، ويتضمن التعديل المقترح من مجلس الوزراء إضافة حالتين جديدتين للحالات السبع المنصوص عليها فى القانون لإسقاط الجنسية وهما (كل من اكتسب الجنسية المصرية عن طريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة أو صدور حكم قضائى يثبت انضمامه إلى أى جماعة، أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أى كيان أيا كان طبيعته داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقوض النظام الاجتماعى أو الاقتصادى أو السياسى لها بالقوة، أو بأى وسيلة من السوائل غير المشروعة/ صدور حكم بالإدانة فى جريمة مضرة بأمن الدولة من جهة بالخارج أو الداخل).
وتشير المعايير الدولية إلى كل من الحق فى الجنسية، وحق الدولة فى رهن منح جنسيتها بشروط مثل ألا يكون الشخص المعنى قد أدين بجريمة ضد الأمن القومى، أو الحصول على الجنسية بتقديم بيانات كاذبة أو بالاحتيال، أو فى حالة أن يتصرف الشخص على نحو يناقض واجبه فى الولاء للدولة، أو التصرف على نحو يلحق الأذى بالمصالح الحيوية للدولة بجانب طائفة أخرى من الحالات التى تشير إليها اتفاقية 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية، كما تشترط المعايير الدولية ألا يكون الحرمان من الجنسية تعسفا، أو لأسباب «عنصرية ــ عرقية ــ دينية ــ سياسية»، وأن تكون إجراءات الحرمان أو التجريد من الجنسية مقرونة بضمانات إجرائية كاملة مثل الحق فى الحصول على محاكمة عادلة.
ويتبين اتفاق مقترحات الحكومة مع المعايير الدولية فيما عدا سلطة إصدار قرار الحرمان من الجنسية ستكون بيد الإدارة، لذلك فنرى من المناسب أن يكون إسقاط الجنسية بحكم قضائى مع حذف عبارة «النظام العام للدولة» من مقترح الحكومة منعا للتكرار وتجنبا لشبهة عدم الدستورية، مع استنهاض المجلس القومى لحقوق الإنسان ومشاركة منظمات المجتمع المدنى فى الفعاليات والمناقشات الجارية لمباشرة دورهم الوطنى والإنسانى ومواجهة المغالطات التى تطفو على السطح أولا بأول.

About Post Author