د. بهاء حلمي يكتب: العمل التطوعي بين الثقافة والممارسة

غضب عضو فى مجلس إدارة أحد الكيانات فى مجال العمل التطوعى عندما قام أحد أفراد المجتمع المستهدف بالتطوع بمطالبة مجلس الإدارة بإيضاح ما تم اتخاذه من إجراءات لمواجهة مشكلة تمس مصلحته وآخرين على أن يكون الأمر واضحا وشفافا. وعبر المتطوع عن غضبه الشديد وقناعاته بأنه لا يحق لأحد سؤاله أو مساءلته طالما كان مجلس إدارته يقدم خدماته متطوعا.
وهنا تكمن إشكالية الإلمام بثقافة العمل التطوعى وممارسته على أرض الواقع فضلا عن الإلمام بالثقافة القانونية والواقعية لجوانب العمل التطوعى، فعدم إدراك تلك الثقافة فى أغلب الأحيان يؤدى إلى هدم قواعد المشاركة الفعلية فى تنمية المجتمع وصولا لحد المساءلة إذا كان هناك خروجا على القانون.
إن عدم إدراك المضامين السامية لمفاهيم وأهداف العمل التطوعى يؤدى إلى انعدام الرؤية لمكتسباته وفوائده التى تعود على المتطوع والمجتمع أيضا.
إن قيمة وسمو وأخلاقيات العمل التطوعى تتمثل فى تنفيذ الفرد لنشاط نافع ومفيد للمجتمع من تلقاء نفسه دون تكليف أو أمر بذلك باعتباره عملا من الخدمات الاجتماعية ووسيلة مفيدة لتنمية شخصية المتطوع وكذا تنمية روح المشاركة المجتمعية. وأن تكون المشاركة بفاعلية وحل المشكلات وتقديم الرعاية ودعم التعاون والترابط بين الأفراد فى مجال العمل التطوعى، والسعى نحو تحقيق أهداف إنسانية من خلال توفير حاجات الأفراد والتجاوب معهم.
ويعتبر العمل التطوعى عملا قانونيا سواء من حيث أسلوب الأداء والالتزام بالضوابط القانونية واللوائح المنظمة للعمل أم من حيث الواجبات والمسئوليات والحقوق بجانب الالتزام العام بالقيم والمبادئ الدستورية التى تقضى باحترام الكرامة الإنسانية وحرية التعبير عن الرأى وتعزيز المساواة وأن تكون المعرفة والعلم هى المنطلق وأسلوب العمل لتحقيق الصالح العام.
كما يهدف العمل التطوعى إلى تنمية روح المشاركة ومواجهة النتائج السلبية ومناقشتها بوضوح وشفافية والعمل على تحويلها إلى إيجابيات من خلال تضافر جهود الجميع والتعاون لإيجاد أفضل الحلول الممكنة.
وعند الحديث مع أحد نماذج العمل التطوعى من الشباب عن ثقافة العمل التطوعى وإشكاليات ممارسته على أرض الواقع فعرض تجربته الشخصية من خلال الخطوات التى اتبعها قبل انخراطه فى العمل التطوعى والتى تعتمد على الاطلاع والإلمام بثقافة العمل التطوعى ومفهومه وواجباته ومسئولياته وحقوقه وكافة جوانب العمل فى مجال التطوع وذلك بعد مراجعة وتقييم نفسه وقدراته الذاتية لتحديد مدى إيمانه بالعمل التطوعى القائم على قيم العطاء والبذل، وتحديد مدى قدرته ومسئوليته عن استيعاب النقد البناء وقبول الرأى الآخر والتعامل مع الجميع وفقا للأسلوب القانونى والاخلاقى الذى يفرضه الدستور والتشريع وقيم المجتمع الديمقراطى. واعتبر تلك الخطوات بمثابة طاقة المعرفة التى انارت له الطريق فى العمل التطوع لأنه إذا ضاق صدره بمسئوليات العمل التطوعى يتوجب عليه الانسجاب لإعادة تقييم مدى معرفته وإلمامه بثقافة العمل التطوعى وتحمله لمسئولياته.
مما لا شك فيه أن ممارسة العمل التطوعى على أرض الواقع تتخللها الكثير من الإشكاليات، وعلى الأخص إذا لم يتوافر الانسجام بين دوافع المتطوع ومفهوم وابعاد العمل التطوعى ومسئولياته.
فالعمل التطوعى يعنى خدمة المجتمع بتواضع وتسامح والتزام بالضوابط المنظمة للعمل دون استعلاء أو إملاء أو تعسف فى الرأى، والعمل التطوعى وفقا لمفهومه الصحيج يختلف كليا عن الرغبة فى الالتحاق بعمل تطوعى للحصول على مقابل أو لتحقيق أهداف أو مصالح شخصية، فالعمل التطوعى المجرد يعنى بذل الجهد فى خدمة المجتمع وإنكار الذات والتفاعل مع تساؤلات واحتياجات المجتمع المعنى بالعمل التطوعى، والالتزام بالمسئولية عما تم إنجازه أو لم يتم إنجازه من أعمال فى إطار عمل مجلس الإدارة المختص ومسئولياته وأدائه.

About Post Author