د. بهاء حلمي يكتب: الفوضى الخلاقة فى النظام التجاري العالمي
أعلن الرئيس الأمريكى ترامب فى فبراير الماضى عن فرض تعريفات جمركية على الواردات الأمريكية من بعض الأجهزة المنزلية ووحدات الطاقة الشمسية فى ضوء خطته لحماية الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقيات وأسلوب التجارة غير العادلة مع دول العالم المختلفة وعلى الأخص علاقاتها التجارية مع الصين على حد تعبيره.
وذلك بهدف حماية المصنعين الأمريكيين من المنافسة الأجنبية فى إطار سياسة أمريكا أولا.
وفى مارس أعلن عن حزمة جديدة من الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية من الحديد والصلب والألمونيوم مبررًا ذلك بأن الصلب والفولاذ يشكلان تهديدا للأمن القومى الأمريكى إضافة إلى أنه يسعى لحماية الوظائف والسوق الأمريكية من المنافسة الخارجية.
وأعلنت الصين أنها ستفرض رسوما جمركية جديدة بقيمة 50 مليار دولار على منتجات أمريكية ردا على قرارات الرئيس الأمريكى مع الإعلان عن رغبتها فى الابتعاد عن حافة الهاوية فى الوقت الذى يهدد فيه ترامب بفرض المزيد من الرسوم الجمركية التى تهدد التنمية فى الصين وغيرها إذا ما أقدمت الأخيرة على إجراءات انتقامية أخرى.
كما أعلن الاتحاد الأوروبى عن فرض رسوم جمركية إضافية على واردات أمريكية ابتداء من يوليو الجارى ردًا على تلك السياسات وأنه سيتم التنسيق مع منظمة التجارة العالمية لإعادة موازنة الوضع، بينما يتهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الدول الأوروبية بفرض الكثير من الضرائب على المنتجات القادمة من بلاده، مما حدا بالدول الأوروبية اللجوء للتفاوض مع أمريكا للحصول على استثناءات من تلك القرارات.
إنها حرب تجارية حقيقية تقودها الولايات المتحدة للحد من العجز التجارى الهائل الذى تعانى منه فى مواجهة الصين والاتحاد الأوروبى فى إطار سياسة «أمريكا أولا» على الرغم من إعلان منظمة التجارة العالمية عن أسفها وقلقها الشديدين من تلك السياسات والدعوة لاحترام الاتفاقيات الدولية دون أن يظهر للمنظمة أى دور فاعل فى تلك الأحداث.
تقوم منظمة التجارة العالمية على مبدأ حرية المبادلات التجارية وعدم التمييز والمعاملة بالمثل ويرتكز نظامها على تحرير التجارة العالمية من القيود الكمية والرسوم الجمركية ويعتبر مبدأ حرية التجارة هو الإطار الدولى للتجارة الذى جعل الولايات المتحدة الأمريكية تحتل مركز الصدارة فى التجارة العالمية وذلك قبل أن يصدر الرئيس الأمريكى قراراته الأخيرة المناهضة لمبدأ حرية التجارة والتى تنتهك مبادئ وأهداف المنظمة وتقوض أسس التجارة والعولمة بعدما أشارت الدراسات إلى أن الصين فى عام 2025 ستصبح أكبر اقتصاد فى العالم متفوقا على أمريكا، وبالضرورة سينعكس ذلك على المنظمة والاتفاقيات التجارية ومعدلات النمو العالمية.
ويثار التساؤل عن آثار هذه القرارات والعقوبات والرسوم الجمركية والإجراءات المضادة على مبدأ حرية التجارة؟ وانعكاسات تلك القرارات على دور منظمة التجارة العالمية؟ وهل تشرع الولايات المتحدة الأمريكية فى الابتعاد عن منظمة التجارة العالمية فى ضوء إعلان الرئيس الأمريكى عن إمكانية الانسحاب من بعض اتفاقيات التجارة الحرة أم يعتمد على اتباع سياسة الفوضى الخلاقة فى التجارة العالمية وتفريغ المنظمة من مضمونها ودورها ككل؟
البعض يقول ربما أن شعار «أمريكا أولا» يعنى الاعتماد على القوة الاقتصادية والهيمنة التكنولوجية للحصول على أفضل العوائد المالية السريعة من خلال قناعات وإيمان الرئيس الأمريكى بقدراته على التفاوض والنجاح فى الصفقات التجارية بعيدا عن الحلول السياسية النمطية التى كانت تنتهجها الولايات المتحدة قبل ذلك، وبالتالى فمن المحتمل أن يؤدى ذلك الى كتابة نهاية دور منظمة التجارة العالمية كما حدث مع منظمة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن المعنية بالقدس.