د. بهاء حلمي يكتب : الهيئة القومية للبريد المصرى.. و بنك البريد اليابانى
صدرت أول أختام لهيئة البريد المصرية فى أكتوبر عام 1864 بعد أن اشترى الخديو إسماعيل شركة البريد الأوروبية الخاصة، وصدر أول طابع بريد مصرى عام 1866.
وتغير مسماها إلى «هيئة البريد» بموجب القرار الجمهورى رقم «710» لسنة 1957، ثم أنشئت الهيئة القومية للبريد بموجب القانون رقم «19» لسنة 1982م.
وقد وصل عدد مكاتبها إلى أكثر من عشرة آلاف مكتب منتشرة فى أنحاء الجمهورية لتقديم خدمات البريد بجانب استثمار ودائع صندوق التوفير.
وقد تميزت الهيئة بتحقيق معدلات عالية من الخسائر المالية السنوية المتراكمة وبالتبعية ضعف مستوى الخدمات، حيث كانت خسائر الهيئة فى نهاية 2013 حوالى 436.3 مليون جنيه.
أما هيئة البريد اليابانية فقد تأسست فى 1875 أى بعد هيئة البريد المصرية بعشر سنوات، وهى تتبع القطاع العام كما هو الحال بالنسبة للبريد فى مصر، وقد لجأ إليها فى بداية الأمر أهالى الريف اليابانى لإيداع مدخراتهم الصغيرة فيها للاستفادة من عائدها المرتفع والمعفى من الضرائب والرسوم.
وتطورت هيئة البريد باليابان لتصبح بنكا يستقبل بطاقات الائتمان وبطاقات السحب الأجنبية من آلات الصرف الآلى البنكية وكذلك الخدمات الدولية، من خلال ما يزيد على 26000 جهاز atm بمكاتب البريد فى اليابان، ويتم وضع ستيكرز أو ملصقات بكل موقع تبين نوعية البطاقات الائتمانية المستعملة بالتعاون مع سيفن بانك، وتقدم الخدمات على مدار 24 ساعة يومياً باللغات بكافة انحاء اليابان «الإنجليزية والكورية والصينية والبرتغالية».
وفى عام 2012 بعد انتخاب شينزو آبى رئيساً للوزراء حدثت طفرة هائلة متمثلة فى كشف بنك بريد اليابان عن استراتيجية جديدة واسعة النطاق بعد أن مضت 10 سنوات لتنظيم وتقسيم هيئة البريد إلى أربعة كيانات وهى «الصيرفة والتأمين والبريد وخدمات الزبائن».
وقد ثار جدل كبير فى الأوساط الشعبية والحزبية باليابان قبل طرح أسهم هيئة البريد اليابانية لزيادة رؤوس الأموال فى أكبر عملية خصخصة تستهدفها اليابان- حيث جاوز مجمل أصول شركة التأمين على الحياة «كامبو» مائة وأربعة عشر تريليون ين أى ما يعادل نحو تسعمائة وتسعين مليار دولار أمريكى، وهو ما يزيد على أصول كبرى شركات التأمين اليابانية الأخرى.
وأصبح بنك البريد باليابان أكبر بنك تجزئة تجارى فى العالم بأصول تقدر بنحو 3.25 تريليون دولار ويحقق دخلاً يصل إلى 785 مليار دولار، كما أصبح البريد اليابانى رمز الكفاءة وإدارة القطاع العام فى اليابان، وتحاول البنوك المحلية رفع قدرتها وكفاءتها لتلحق بالعملاق البريدى فى السوق المصرفية باليابان.
وذهب البعض إلى القول إن تكنولوجيا الاتصالات والهواتف الذكية أثرت على خدمات البريد فالرسالة بدل البرقية، ومواقع التواصل الاجتماعى بدلا من الخطابات، وتحويل الأموال بدلا من الحوالات البريدية، إلا أن مسيرة نجاح بنك بريد اليابان تدحض هذه الأفكار، وبالتالى فمن الخطأ الأخذ بمثل تلك الأمور لتبرير خسائر البريد المصرى.
ونحن نرى أنه لن يتأتى للهيئة القومية للبريد المصرى النجاح إلا من خلال الاعتماد على الإدارة الحديثة والتخطيط العلمى وإتاحة المجال للشباب والابتكار لتحقيق الأهداف بعيدا عن النمطية أو العشوائية، مع إعادة دراسة مبلغ 17 مليار جنيه من المقرر إنفاقها لإعادة هيكلة الأجور وتطوير 420 مكتباً، دون ذكر لتنمية الموارد البشرية وتدريب العاملين على الابتكار فى الإدارة. ونقترح دراسة إنشاء بنك البريد المصرى، وتكوين رأس ماله من خلال دمج بنك القاهرة والبنك العربى أو أيهما، مع إمكانية طرح نسبة من الأسهم لأصحاب المعاشات، واستثمار أموالهم أيضاً -بعيدا عن البورصة- ليس للحفاظ عليها فحسب بل لتعظيم الأرباح ورفع كفاءة الخدمات البريدية وذلك بموجب تشريع خاص.