د. بهاء حلمي يكتب: عملة البيتكوين الإلكترونية.. ما لها وما عليها
بدت بوادر ثورة جديدة فى عالم الأعمال فى مطلع 2009 تمثلت فى ظهور ما يسمى بالعملة الإلكترونية، وهى عملة رقمية افتراضية تستخدم فى المبادلات والمعاملات المالية إلكترونيا عبر الشبكة العنكبوتية، وتوجد أنواع كثيرة من تلك العملات أشهرها وأكثرها تداولا هى البيتكوين (Bitcoin) التى صممها وأطلقها مبرمج يابانى.
وتتلخص طبيعة هذه العملة فى أنها لا تحمل رقما تسلسليا ترتبط به، وليست مدعومة من الدولة كالعملة الورقية، ولا ترتبط بأى دولة أو موقع جغرافى معين، ولا تقوّم بالذهب أو الفضة كالعملة الورقية، ويتم تداولها عبر الإنترنت بمعنى أنها غير محسوسة وليس لها وجود مادى، وهى خارج سيطرة الحكومات ولا تخضع لرقابة بنك مركزى، وهى عملة إلكترونية مشفرة تقبل المقارنة بالعملات الأخرى مثل الدولار واليورو، ويمكن استخدامها كأى عملة أخرى للشراء عبر الإنترنت أو تحويلها إلى العملات التقليدية عن طريق المبادلة، وتنتقل من حساب مستخدم إلى آخر على الإنترنت، ولا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء التى تستخدم فيها.
وتقوم هذه العملة على مبدأ اللامركزية ولها قواعد تداول إلكترونية خاصة بها تتميز بالسهولة واليسر والحماية لمستخدميها، والعملة لها أجزاء مثل بيت كوين 1 – سنتى كوين – ميلى بيت كوين – ميكرو بيت كوين، ويمكن استخدامها أيضا لشراء خدمات الطب والمحاماة وفى بعض المتاجر، وقد حققت العملة انتشارا بين مستخدمى الإنترنت فى فترة زمنية قصيرة وبدا إعلان بعض المواقع والمطاعم فى عدة دول عن قبولها التعامل بالعملة الافتراضية.
وقد مرت مراحل تقييم هذه العملة بتقلبات وارتفاعات غير مسبوقة، حيث وصلت إلى ما يزيد على عشرة آلاف بعد أن كانت قيمتها ستة سنتات أمريكية عند طرحها فى 2009م.
وينشط مطورو العملة فى إطلاق برامج وخطط جديدة لتداول تلك العملة لضمان انتشارها ورواجها لتحقيق أرباح كبيرة لمستخدميها ولمروجيها، ومن هذه الوسائل التحكم فى تحديد أعلى لإنتاجها أو إصدارها وهو 21 مليونا مع نهاية 2040م، وإطلاق نسخ جديدة من العملة بمسميات مختلفة مثل بيتكوين كاش والبيتكوين الذهبية للمعاملات المرتفعة، والبيتكوين الماسية – مسميات فقط دون تقييم هذه العملات بتلك المعادن النفيسة – وذلك بغرض تطويرها وايجاد حلول للمشكلات التى تواجه مستخدميها على شبكة الإنترنت.
ومن جهة الاعتراف الدولى الرسمى فتعد ألمانيا الدولة الوحيدة التى اعترفت رسميا بتلك العملة فى حين مازالت الكثير من الدول تتوجس من الاعتراف رسميا بها، والبعض الآخر أعلن منعها علنيا مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والسعودية وغيرها، وذلك لأسباب عديدة مثل تعارضها مع القوانين الوطنية، وقد تؤدى إلى هروب رأس المال الحقيقى إلى العملات الرقمية بساحة الإنترنت الافتراضية، وأنها تتعارض مع نظام المحاسبات بالشركات التى تعمل بنظام القوائم المالية، ويمكن أن تكون وسيلة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب والجريمة المنظمة، وعدم الخضوع للأنظمة الضريبية، وكذا عدم وجود تشريعات تنظم التعامل بها وتحفظ حقوق مستخدميها إلى جانب قيمة تلك العملة لمخاطر التذبذب بشكل كبير.
وفى مصر فلا يوجد تشريع أو تنظيم قانونى لتداول العملات الرقمية، وأنه يتم متابعة ورقابة التحويل من الحسابات المصرفية إلى نظيراتها الإلكترونية فى إطار القواعد القانونية المنظمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ونخلص مما سبق إلى وجود اتجاهين مختلفين، الأول، يشجع استخدام العملات الرقمية باعتبارها نظام نقدى إلكترونى جديد يؤدى إلى خلق عملة حرة تتماشى مع تحرير الاقتصاد العالمى وتلافى مشاكل النظام النقدى الحالى، وتوفر الوسطاء والعمولات وتتواكب مع التغيرات المتسارعة فى عالم الأعمال خاصة على شبكة المعلومات الدولية. ونعتقد أن استخدام عملة البيتكوين فى عمليات قرصنة حواسيب وحسابات شخصية وطلب فدية، وتحديدا فى الهجومين الإلكترونيين العالميين: فيروس الفدية الأول «Wanna cry» والثانى «Petya». أنه من قبيل الترويج لها.
والاتجاه الثانى يعارض بشدة الاعتراف بتداول العملات الافتراضية بسبب المخاوف التى سبق عرضها.
وإننا نرى ضرورة استشراف المستقبل واضطلاع البنك المركزى المصرى بدراسة مستقبل تلك الإدارة المالية العصرية المبتكرة بغرض وضع تصور لتشريع ينظم استخدامها إلكترونيا وضوابط الترخيص وتسجيل وقيد الشركات والمواقع التى ترغب فى تداولها فى حالة إقرار التعامل بها بما يحافظ على حقوق المتعاملين وحماية قطاع الأعمال والأمن القومى.