د. بهاء حلمي يكتب: مواجهة ابتزاز الإكرامية لمكافحة الفساد
«ربنا يخلى.. عاشت الأسماء.. يتربى فى عزك» بهذه العبارات استقبل كاتب مكتب الصحة الذى دخل عليه الأستاذ عمر طالبا قيد ميلاد ابنه حديث الولادة وعلى وجهه علامات الفرح والسعادة لاستخراج شهادة ميلاد أول الأبناء، وأثناء الحديث بينهما دخل الأستاذ أشرف وبيده بطاقة والده المتوفى وتظهر عليه علامات الحزن طالباً استخراج تصريح الدفن لوالده المريض الذى توفى فى المستشفى وكذلك شهادة الوفاة، وقابله الموظف بعبارات التعازى والمواساة وطلب من الأول إنهاء إجراءات تصريح الدفن أولا فى لفتة تبدو أنها إنسانية.
وبعد اعتماد تصريح الدفن من مفتش الصحة المختص سأل أهل المتوفى عن شهادة الوفاة، فأفاد الموظف أن «السيستم واقع» ووعدهم باتخاذ اللازم لطباعة شهادة الوفاة فى أسرع وقت مع الاتصال التليفونى بهم ملتمسا منهم دفع مبلغ لشحن التليفون لنفاد رصيده، وحصل على خمسين جنيها. ثم عاد لقيد المولود واتبع نفس الاسلوب وحصل على خمسين جنيها أخرى.
ويثار التساؤل هل يبدو أن طلب الرشوة وابتزاز المواطنين للحصول على خدماتهم ببعض المصالح الحكومية يمتد بطول حياة الإنسان أى منذ لحظة تاريخ قيد ميلاده حتى تاريخ قيد وفاته؟
قد يكون دفع الإكرامية أو البقشيش نمط حياة لكثير من المصريين فى مهن مختلفة سواء أكانت عرف أم إيتكيت أم وجاهة اجتماعية، وسواء كانت فى المطاعم والفنادق وغيرها من الأماكن التى تؤدى فيها طوعاً وبطيب خاطر عدا ما يحصل عليه كثير من منادى السيارات الذين يبتزون قائدى المركبات فى ظاهرة تحتاج لعلاج ووضع آليات جديدة لإصدار تراخيص منادى السيارات من المحافظات تنسيقا مع الجهات الأمنية المختصة.
إلا أن الإشكالية تكمن فى الابتزاز الذى يتعرض له المواطنون فى بعض المصالح الحكومية تحت مسمى إكرامية مقابل إنهاء الخدمات، وإن لم يتم الدفع تظهر أمام المواطن العقبات واحدة تلو الأخرى ولكل عقبة مرجع قانونى أو قرار وزارى أو قرار إدارى أو تعليمات يحفظها الموظف عن ظهر قلب أو يبقى المواطن فى طابور لا يتحرك حتى انتهاء مواعيد العمل. وفى بعض الأحوال يظهر شخص وسيط فى شكل عامل أو ساع يتحرك ويهمس للمواطنين لإنجاز مصالحهم مقابل الدفع.
إن صاحب المصلحة الذى يقدم الرشوة للموظف أو يعرضها عليه لإنهاء مصلحته أو تسهيل عمل أو ترخيص فهو راش، وطلب أو قبول أى موظف أو مكلف بخدمة عامة فائدة أو وعد بها مقابل عمل أو امتناع عن عمل من أعمال وظيفته فهو مرتش، وإذا وجد طرفاً ثالثاً أو وسيطاً فيعتبر شريكاً فى الجريمة ويخضع الجميع لحكم القانون.
إن الرشوة وباء قد يؤدى إلى الظلم الاجتماعى وحرمان الفقير أو الضعيف من حقه المشروع كما أنه فساد لا يمكن تبريره بضعف الدخل أو غلاء المعيشة أو أى سبب آخر.
لقد رفعت الدولة شعارها بمكافحة الفساد ووضعت إطارا تشريعيا ومؤسسيا وتنظيميا وقضائيا وأنشئت اللجنة الوطنية التنسيقية، واللجنة الفرعية التنسيقية، ووضعت استراتيجية وطنية فى إطار الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر فى سبيل مكافحة الفساد، وأطلقت يد الرقابة الإدارية بجانب العديد من الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد، ونسمع كل يوم عن ضبط العديد من الموظفين فى قضايا رشوة سواء كان وزيرا أم رئيس مصلحة، ويبدو أن حجم الفساد كبير وعميق أنها حرب حقيقية علينا أن نشارك بإيجابية فيها لأن الفساد لا يقل خطورة عن الإرهاب.
لقد نجحت كثير من الدول فى مكافحة الفساد من خلال وعى المواطنين والتمسك بالقيم والمبادئ وترسيخ سيادة القانون، وميكنة العمل والاعتماد على شبكة المعلومات فى إنهاء الأعمال والخدمات أسوة بما تم مؤخرا فى بعض المصالح الحكومية، والتعامل مع قضية الرسوم بحذف كسر الجنيه وحل مشكلة الفكة، ويبقى سؤال عن دور القيادات والمديرين فى المؤسسات والمصالح الحكومية فى مكافحة الفساد، وهل يتم التقييم على ما يتم إنجازه فى هذا الملف؟