د. بهاء حلمي يكتب: وعود ترامب.. بين مفهوم الصفقات واستراتيجيات التفاوض
وعد الرئيس الأمريكى ترامب أثناء حملته الانتخابية بتغيير الكثير من سياسات الإدارة الأمريكية فى عهد سلفه أوباما، وكان جريئاً وواضحاً فى إطلاق وعوده الانتخابية قبل سنتين والتى من بينها انتقاد اتفاق إيران ووصفه بالاتفاق السيىء والوعد بعدم التصديق عليه، وانتقاده لحلف شمال الأطلسى معلناً أنه يجب على دول الاتحاد الأوروبى تحمل مسئوليتها ودفع النفقات بدلاً من الولايات المتحدة، والحد من سفر رعايا بعض الدول الإسلامية للولايات المتحدة، وإعلانه عن مواجهة مشكلة الهجرة من المكسيك من خلال بناء جدار عازل، وطالب بإعادة النظر فى اتفاقيات التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وقرر أنه سيعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووعد بتحمل دول الخليج نفقات وتكلفة إقامة منطقة آمنة فى سوريا، إضافة إلى تحملهم ثمن حماية ومساعدة الولايات المتحدة لهم وهو ثمن كبير يجب دفعه من دول الخليج الغنية على حد تعبيره، وغيرها من الوعود الأخرى سواء على الصعيد الدولى ام الصعيد الداخلى مثل التعهد بمساعدة مصر فى حربها ضد الإرهاب، وإلغاء قانون التأمين (أوباما الصحي) ..
وربما يكون الرئيس الأمريكى قد نفذ كثيراً من وعوده الانتخابية التى أطلقها بغض النظر عن مدى شرعيتها أو تعارض بعضها مع قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة كقضية القدس ونقل السفارة الأمريكية لها، إلا انه قد اخفق فى قليل من الوعود المعلنة مثل وعده بمساعدة مصر فى حربها ضد الإرهاب إلا انه تم خفض المساعدات العسكرية المقررة لها بدلاً من مساعدتها.
وربما لو كانت هناك منظمات مجتمع مدنى قوية فى مصر تستطيع التحدث مع الغرب بنفس اللغة والاهتمام فى كافة الموضوعات التى تُثار وخاصةً فى مجال حقوق الإنسان وعدم ترك الساحة لمنظمات مدعومة من الجماعة الإرهابية لكانت النتائج مختلفة بطبيعة الحال عما هو عليه الآن وعلى الأخص فى شأن ملف حقوق الانسان وتخفيف العبء على الحكومة التى تتصدى بالدفاع عن حقوق الإنسان على الصعيد السياسى والحقوقى والمنظمات الدولية الامر الذى يدعو لدور اكبر للقوة الناعمة المصرية . وإن كان هذا لا يعفى الرئيس الأمريكى عن مسئوليته فى إيقاف السياسات العدائية وتمويل المخططات التى كانت تستهدف مصر بعد فشل الربيع العربى فى تحقيق أى منها.
وبالنظر إلى وعود الرئيس الامريكى تظهر خلفيتها الاقتصادية القائمة على مفهوم الصفقة والتوافق مع ما أعلنه فى ديسمبر 2017 تحت مسمى استراتيجية للأمن القومى الأمريكى والتى شدد فيها على الوفاء بوعوده لتصبح “أمريكا عظيمة من جديد” وأن تكون “أمريكا أولاً”.
وقد تعددت الآراء واختلفت رؤى الاطراف الدولية فيما يصدر عن الرئيس الأمريكى من تصريحات وقرارات وإعلانات تهدف جميعها إلى الحصول على أكبر قدر من الأموال لتمويل الاقتصاد الأمريكى حتى لو كان من أقرب الحلفاء التقليديين.
وذهب بعض المحللين فى قولهم بعدم وضوح السياسات الأمريكية فى عهد ترامب والحقيقة أن استراتيجية وسياسات ترامب أدخلت للاقتصاد الأمريكى مليارات الدولارات، ومن المتوقع زيادة تلك المدخلات للشركات الأمريكية سواء أكانت من دول الخليج الغنية بالنفط أم من خلال الوصول إلى أفضل وضع لاستثمارات الشركات الأمريكية فى ضوء رضوخ أوروبا وإيران للطلب الأمريكى مقابل الحفاظ على الاستثمارات الأوروبية التى تتجاوز الـ 20 مليار دولار، ولارتباط النظام المصرفى الأوروبى بنظيره الأمريكى.
وهنا يُثار التساؤل عن ماهية أنواع الاستراتيجيات التى يتبعها الرئيس الأمريكى فى التفاوض من خلال الإعلان عن طلباته؟ هل هى استراتيجية التشدد التى تضم مطالب ومقترحات عالية ومتشددة والتأكيد على أنه لا يجوز التنازل عنها؟ أم هى استراتيجية الأمر الواقع التى تقدم على وضع الطرف الآخر أمام الأمر الواقع وإبلاغه بأن يأخذه أو يرفضه دون مناقشة؟ أم هى استراتيجية أخرى من استراتيجيات التفاوض فى التجارة الدولية، وعلى جانب أخر يُثار تساؤل عن مدى كفاءة التكتيك التنفيذى ومهارات التفاوض التى يتبعها الرئيس الأمريكى والتى حققت جانبًا كبيرًا من الأهداف والعوائد الاقتصادية لبلاده، وإن كان ينظر الى بعض التصريحات التى يطلقها الرئيس الأمريكى من جانب بعض الدول مثل الصين على أنها ابتزاز، بالتأكيد كل دولة تسعى نحو تحقيق مصالحها وفقاً لإمكاناتها وقدراتها وسياساتها ومهارات التفاوض التى تؤهلها للحفاظ على قدر من التوازن الاستراتيجى على المستوى الدولى.