حماية المواطنين من ازعاج شركات التسويق
د بهاء حلمي:
تتزايد معاناة كثير من المواطنين جراء انتهاك حرمة حياتهم الخاصة من خلال الرسائل الالكترونية المتوالية والمحادثات التليفونية المتكررة، والازعاج المستمر من شركات التسويق وخاصة التسويق العقارى. ضاربين عرض الحائط بحقوق المواطنين وحرمة حياتهم الخاصة المكفولة بالدستور والقانون.
فبالرغم من الحماية الدستورية والقانونية لحرمة الحياة الخاصة ، وتجريم قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات كل انتهاك بإرسال العديد من الرسائل الالكترونية على مواقع التواصل لشخص معين دون موافقته أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته.
كما يجرم قانون حماية البيانات الشخصية الصادر في 2020 خرق وانتهاك البيانات الشخصية ويجرم افشائها او نقلها او استخدامها دون موافقة صريحة من الشخص المعنى بها.
ولكن للاسف الشديد فإن اول من يخالف القوانين هم شركات الاتصالات المختلفة التى تقوم بإغراق الهواتف المحمولة للمشتركين بعشرات الرسائل النصية يوميا عن عروض وترويج لشركات التسويق والدعاية المغلفة بسياج وهمى كمنح نقاط او خصومات يحصل عليها العميل. وجميعها دون موافقة العملاء.
ولا يمكن لهذه الشركات الاستناد الى بعض العبارات المدونه بخط صغير لا يقرأ يوقع عليها العملاء عند تعاقدهم علي خط او شريحة بانها موافقة علي تدول بياناته لعدم تمكينة من الوقت اللازم، أو في مواجهة المتعاقدين ممن لا يجيد القراءة الأمر الذى يعتبر قريبا من عقود الاذعان.
ومن جهة اخري يقوم المتحكمين في البيانات الشخصية لدى هذه الشركات وغيرها من الشركات والمولات والمحلات التى تسجل بيانات المتعاملين معها بنقلها والتصرف فيها لصالح شركات التسويق دون موافقة او علم المعنى بها، وذلك بالمخالفة لأحكام قانون حماية البيانات حبيس الادراج لعدم صدور لائحته التنفيذية بعد.
بالرغم من نص القانون الصادر في يوليو 2020علي وجوب صدور اللائحة التنفيذية خلال ستة أشهر من تاريخ نشره،إلا انها لم تصدر حتى الأن.
وهذا القانون يحظر اجراء اى اتصال الكترونى بغرض التسويق المباشر للشخص المعنى بالبيانات إلا بعد الحصول علي موافقة شخصية منه، مع تمكين المواطن المعنى بالبيانات الشخصية الخاصة به من رفض هذه الاتصالات الالكترونية أو العدول عن موافقة على ارسالها.
إلا انه لا رقيب علي تلك المخالفات التى تسبب ازعاجا حقيقيا علي مدار اليوم، فالاتصال المباشر بغرض التسويق علي الحسابات ومواقع التواصل الخاصة بالاشخاص زادت عن الحد الذى يمكن قبوله او التجاوز عنه، فاصبح ازعاج مستمر دون موافقه اصحابها.
ومقارنة بحماية البيانات في بلدان الاتحاد الاوربي ال 28 مثلا يتبين انها تضع وتفرض قواعد صارمة على مراقبة ومعالجة والتعامل مع البيانات الشخصية لمواطنيها بما يصون ويضمن خصوصية هذه البيانات والمعلومات بشكل آمن في عصر الانترنت والتحول الرقمي الذى يتميز بسهولة تبادل المعلومات ونقلها بوسائل وأشكال عديدة.
ومن ثم فلابد من صدور لائحة تتضمن آليات تنفيذية لحماية بيانات المواطنين ومواجهة فوضى تداولها وتوفيرها لشركات التسويق دون موافقة من المعنيين بها، للحد من الازعاج اليومي غير المسبوق، واحترام حرمة الحياة الخاصة.
كما يتعين علي الجهات المعنية بانفاذ القانون الاسراع في اتخاذ التدابير القانونية والغنية لحماية البيانات الشخصية، والتى تشكل مورداً ماليا ضخماً يشبهه البعض بالنفط الجديد. وخاصة في عصر الانترنت والتحول الرقمي الذى نعيشه، لما تمثله البياناتا لشخصية من أهمية بالغة وخصوصية. ليس لحماية الاشخاص فقط بل وللامن القومى وفرض سيادة القانون.