د بهاء حلمى يكتب: الحراك الجماهيري العربي بين الأمس واليوم
سيق وتبنت الولايات المتحدة الامريكية دعمها الفوضى الخلاقة بعدد من الدول العربية تحت مسمى “الربيع العربي” لإسقاط بعض انظمتها ومؤسساتها الوطنية بعد نجاح المخطط الانجلوامريكي في تدمير العراق وتسريح الجيش تحت مسمى مكافحة الارهاب.
فقادت الولايات المتحدة والغرب فكرة تكوين ميليشات بدلا من جيش العراق لتؤجج صراعا مذهبيا وطائفيا شغل الجميع عن نهب وإهدار الموارد والثروات الطبيعية بالعراق، وساهم في ترسيخ هوية مذهبية وطائقية بدلا من الهوية الوطنية، مع فتح الحدود الجغرافية والسياسية امام القوى الاقليمية قبل استهداف المنطقة بلعنة الارهاب على ايد تنظيم الدولة الذى ارتكب كافة الجرائم في حق الانسانية والاستقرار والتنمية.
وتم استهداف ليبيا بنفس الاسلوب والادوات مع وضع الاخوان والجماعات الارهابية بطرابلس ترسيخا للتقسيم، وتم تحويل سوريا لساحة حرب أهلية وبؤره للصراع الداخلي والاقليمي، والمحاولة ذاتها باليمن، أما في مصر فتصدى الشعب بإبمانه بالله وثقته في قواته المسلحة فاسقط تلك المخططات.
وتميزت هذه الأحداث بتصدر الولايات المتحدة واوربا المشهد مع توفيرالدعم السياسي والمادى واللوجستي للاحتجاجات في ذلك الوقت بشكل مخطط مع عناصر من الداخل والخارج الذين اطلق عليهم النشطاء بغرض تنفيذ تكليفات محددة للوصول الى الفوضى والتقسييم تحت راية الديمقراطية والحرية، وتولى البيت الابيض إصدار البيانات والتعليق على الاحداث تباعا.
صحيح استهفت الدول العربية باسلحة وقنابل وتكنولوجيا الفوضى، إلا أنهم فشلوا في تنفيذ مخططاتهم كاملة، كما فشلوا في حشر دولة داعشية بين دول المنطقة لمساعدة ترسيخ حكم الاخوان، هذا بخلاف ما اعلنه الرئيس الامريكى ترامب ابان ترشحه للانتخابات الامريكية عن مليارات الدولارات التى قام سلفه بدفعها للاخوان، وفضح السياسات الامريكية والاوربية في المنطقة.
مما لاشك فيه ان نتائج المرحلة الأولى من الاحتجاجات هزت ثقة الشعوب في الحكام، ورسخت انطباع عاما لدى الجماهير بطغيان وفساد الانظمة ووجوب تقديمهم للمحاكمات مما جعل بعض حكومات الدول التى تشهد احتجاجات جماهيرية يبادرون بالاستقالة.
أما المرحلة الثانية للاحتجاجات التى وصلت السودان والجزائر ولبنان والعراق فتتميز عن المرحلة الاولى في الآليات والاساليب المتبعة.
فسميت بالحراك بدلا الربيع، وبث البيانات من خلف الشاشات باسم قادة الحراك غير محددين الهوية اعتمادا على تكنولوجيا الاتصالات بالاقمار الصناعية ، وترديد الحراك لشعارات معتبره مثل”مكافحة الفساد، عدم التمييز، دور المرأة، والمطالبة بتأسيس حكومة إنقاذ تكنوقراط لإدارة شئون البلاد”.
تتزامن الاحتجاجات مع الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد، وظهرت تكتيكات الحراك في التحلى بالنفس الطويل وإظهارالحيوية والنشاط للتعبيرعن حماس شباب الحراك، مع الاحتفالات الجماهيرية بالشوارع، والمطالبة بحكومة وطنية من المستقلين بدلا من الانظمة القائمة.
نشهد العراق يمر بظروف اكثر صعوبه ودموية في الوقت الراهن مما ينذر بخطر نشوب صراع مذهبي وطائفي طويل الامد بين السنة والشيعة قد يساهم في إعادة ظهور داعش او غيره من الجماعات الارهابية التى اعلنت عن تبنيها بعض العمليات الارهابية مؤخرا.
في الجزائر يبذل الجيش جهودا لاجراء انتخابات وللحفاظ على مؤسسات الدولة في الوقت الذى تستمر فيه تكتيكات الحراك بالنزول للشوارع على مدار شهور، أما لبنان الذى يواجه ظروف اقتصادية للغاية، وله نظام حكم يقوم على محاصصة بميزان “الطائف” يمثل فيه حزب الله احد مخالب ايران، فلا زال يبحث عن حلول لعلاج الوضع الاقتصادي وتأمين المخزون الغذائي، ويحاول تشكيل حكومة جديدة .
ونلاحظ تواري الولايات المتحدة والغرب عن تصدر المشهد كما في الاحتجاجات الاولى، ويرجع ذلك الى الرغبة في مداركة السلبيات السابقة وسقوط حكومات الاخوان، ولتهدئة روح الكراهية التى ترسخت في نفوس شعوب المنطقة العربية.
وايا كانت مسميات الاحتجاجات وتطلعات الجماهير لغد افضل فهناك خطط مستقرة لدى الغرب واسرائيل، سوف يكررون محاولات تنفيذها بشتى الوسائل والأليات والالوان لإثارة حفيظة الجماهير وحشدها تحت تأثير العقل الجمعى للسير نحو الفوضى التى تنتهي بتدمير وتقسيم الدول من الداخل وإعادة رسم حدود جغرافية لدويلات متناحرة.
إن تنمية الوعى القومي لدى المواطنين واجب قومى مع استشراف المستقبل لمواجهة كل الاحتمالات حتى لو كانت الاحتجاجات القادمة عبارة عن ربوتات الكترونية.