د. بهاء حلمي يكتب:مواقع التواصل الإلكتروني بين الثقافة وإدارة الوقت
ربما يكون استخدام تعبير مواقع التواصل الالكتروني اكثر دقة وواقعية من مصطلح التواصل الاجتماعي، نظرا لما تتيحه هذه المواقع من قنوات للاتصال والتواصل الالكتروني مع اخرين في كافة المجالات سواء كان في المجال السياسي أو الاقتصادى أوالثقافى والانساني أو الارهاب والجريمة المنظمة ام في أى نشاط اخر يتم التعامل عليه من خلف الاجهزة المتصلة بشبكة المعلومات الدولية.
أما اطلاق تعبير التواصل الاجتماعي فربما كان لجذب ودعوة اكبر عدد من الناس واتاحة فرصة الربط مع اعضاء أخرين لديهم نفس الاهتمامات والهوايات، وهذه الخدمات تقدمها شركات كبري تسعي الى ابتكار الاساليب الجديدة لزيادة عدد المشتركين والمشاهدين لهذه المواقع بغرض جنى الارباح.
اصبحت تلك المواقع تسيطر على اوقات وأفكار الكثير من الفئات العمرية المختلفة على مستوى العالم وخاصة الشباب منهم، فأصبحوا يقضون أغلب اوقاتهم وراء شاشات وسائل الاتصال الحديثة باستخدام هذه المواقع لاغراض تختلف باختلاف احتياجاتهم وثقافاتهم ووقتهم .
يوجد ندرة في الدراسات العلمية الموثقة عن اعداد وحجم المتعاملين او المشاركين في مواقع التواصل الالكتروني، فيشير البعض الى ان هناك ثلاثة مليارات شخص يستخدمون هذه المواقع اى ما يعادل 40% تقريبا من سكان العالم يقضون في المتوسط حوالى ساعتين يوميا لتصفح هذه المواقع والتفاعل من خلالها، ويقدر البعض الاخر عدد مستخدمى موقع واحد وهو الفيس بوك ب 22 مليار مستخدم شهريا خلال الاثنى عشر شهرا الماضية، وان 3% من المستخدمين لهذا الموقع من 25: 34 سنة، وعلى موقع الواتس اب يتم ارسال حوالى 42 مليار نص تقريبا بمشاركة 16 مليار صورة يوميا هذا بخلاف المواقع الاخري وما اكثرها حاليا ومستقبلا.
ربما لم تعلن الشركات التى تدير تلك المواقع حتى الان رسميا عن نتائج أى دراسات اجتماعية او احصائيات دقيقة حول اكثر الشعوب استخداما لتلك المواقع، والوقت المستهلك في التواصل الالكترونى، وما هي معدلات التغيير في سلوك وانماط المجتمعات الاكثر استخداما لهذه المواقع وما هية الاثار الصحية والنفسية والعلاقات الاجتماعية الناتجة عن ارتفاع معدلات الاستخدام.
فالعديد من الدول تقوم بتوعية وتحذير الاطفال والمراهقين والطلاب واسرهم من مخاطر سوء استخدام مواقع التواصل الالكتروني أو إهدار الوقت دون منفعة، وتحث على نوعيتهم ومتابعتهم في كيفية التعامل والاستفادة منها في دراستهم وحياتهم مع تنمية الرقابة الذاتية لديهم ونشر الوعى الصحيح لاستخدام تلك المواقع.
وفي مجتمعات اخري فقد يكون الواقع صادماً حيث تشاهد البراعم من الاطفال يلهون بالهواتف الذكية ويتعاملون بمهارة فائقة مع المواقع والمشاهد بحرفية تحت مظلة من اهمال وتشجيع الوالدين من خلال الابتسامة لهم او الاشادة بذكائهم.
أما الفئات العمرية الاخري سواء كانوا من المراهقين والشباب أم الاكبر سنا فحدث بلا حرج من حيث افراط بعضهم في استخدام مواقع التواصل الالكتروني. فيمكنك ان ترصد وصول المئات من الرسائل والصورعلى هاتفك في صباح كل يوم، بعضها يحثك على الارسال الى عشر اشخاص او اكثر، وكثير منها رسائل مكررة ومعادة ودون اى معنى او فائدة تذكر، وفي الغالب الاعم يكون الدافع من وراء اعادة الارسال من باب الكرم أو ارضاء لدافع داخلي يتمثل في إدمان استخدام التواصل الالكتروني.
لا يمكن انكار فوائد تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وان وسائل التواصل باتت تلعب دورا كبيرا في حياتنا، ولكن السباحة في بحر الفضاء السيبرانى دون وجود وسائل لمحاولة الانقاذ يؤدى الى الغرق، وبالتالي فإن سوء استخدام تلك المواقع دون التسلح بالمعارف والثقافة وإدراك اهمية الوقت أمر لهعواقب وخيمة على الاشخاص والمجتمعات ايضا.
من الملائم أن نلم بثقافة التعامل مع مواقع التواصل الالكتروني ذلك الوافد الذى اخترق حياة الناس تحت مسمى العولمة دون أى حواجز او موانع، وسوف يتسع نطاقها في المستقبل القريب، والايمان باهمية الوقت وادارته من خلال الاستغلال الامثل في الاستفادة بالمعارف والعلوم الجديدة والعمل والانتاج وتحسين مستوى الدخل وتنمية المجتمع.
ومن المناسب تضمين المناهج والبرامج التعليمية الالكترونية الجديدة في مصر لفوائد واضرار استخدام هذه المواقع ، وأن الافراط في استخدام تلك المواقع التى يطلق عليها التواصل الاجتماعي سيؤثر حتما بالسلب بل اثر بالفعل على التواصل الاسرى والعائلى والاجتماعي، وندعو علماء واساتذة الاجتماع لطرح الموضوع على بساط البحث والدراسة بمختلف جوانبه لصالح الوطن ومستقبله.