د. بهاء حلمي يكتب: القيم والاخلاق سمة المجتمعات الراقية
لاشك أنه طرأ الكثير من التغيرات السلبية على درجة تمسك المجتمع بالقيم والاخلاق النبيلة خلال السنوات الماضية، ويظهر ذلك جليا في السلوكيات العامة وبعض الظواهر والتصرفات التي ساد بعضها في الشارع المصري مثل “غياب بعض القيم المصرية التى كانت تميز المصريين عن غيرهم مثل “الشهامة، النخوة، الرجولة، احترام المرأة، الحياء، احترام الاكبر سنا، الصدق والامانة في العمل، نظافة اليد، عفة اللسان، الالتزام بالقانون، مساعدة الغير، احترام الرأي الأخر، احترام وتقدير الجار، الوفاء، التسامح، المحبة، وغيرها من الفضائل والاخلاق النبيلة وعلى رأسها احترام وتقدير الوالدين والاشقاء والابناء والاسرة وحب الوطن”.
فاذا كانت الاخلاق هي المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الانساني أو هي القدرة على التمييز بين الخير والشر عند الافراد وممارسة الفضائل والمكارم، فإن الاخلاق هي سمة المجتمعات الراقية المتحضرة فأينما وجدت الاخلاق كانت الحضارة والتقدم والرقي والسلوك الانساني المتحضر الذي يقف درعا واقيا في مواجهة أي انحدار أو انهيار للقيم، فالأخلاق هي الصورة الواقعية للوعي الجمعي.
ويرجع البعض اسباب تأثر القيم والاخلاق في المجتمع الى اعلاء المصلحة الشخصية على القيم والاخلاق وضعف روح الانتماء للوطن والتخلي عن العمل الجاد وضعف مستوى التعليم والثقافة وغياب الديمقراطية، والبعض الاخر يري انها احد أثار ونتاج العولمة وتوجهات الرأسمالية واعلاء قيم المال على الاخلاق، اضافة الى هيمنة شبكة المعلومات الدولية ” الانترنت” مما ادى الى انتشار نماذج معينة من القيم الاخلاقية وانماط معينة من السلوك والذوق لدى الشباب والاطفال. كما أن ارتفاع مستوى المعيشة ادى الى انشغال الوالدين بالعمل وضعف الرابطة الاسرية وغياب دور المؤسسات الدينية والاعلامية ادى الى التأثير سلبا على ثوابت المصريين واهتزاز ثقتهم في بعضهم مما أدى الى بعض التآكل في منظومة الاخلاق.
وهناك من يشير الى الاثار السلبية التي صاحبت أحداث يناير 2011 وانعكاسها على القيم والاخلاق مثل “الاحتجاج والمطالبة بالأجور دون عمل، تعمد اهانة الرموز الوطنية والدينية والمديرين والرؤساء في العمل، التطاول والسباب ونشر تعليقات ضد الاخلاق والقيم الدينية والمجتمعية، نشر ثقافة العنف وتحويل الملاعب الى ساحات للمعارك والقتل مع محاولة اقناع انفسهم والغير بان ما يفعلونه هو من أجل الحرية والدفاع عن الحق والفضيلة، في الوقت التي تشكل فيه تلك الافعال جرائم يحاسب عليها القانون والتاريخ.
قد تكون سياسات القوى الاستعمارية والتحالفات الدولية والاقليمية لتقسيم الدول المستهدفة من خلال هدم القيم والاخلاق والثوابت لتعم الفوضى وخلق بيئة مواتية لتحقيق مآربها واطماعها، إن التنازل عن الاخلاق والقيم لأى سبب كان بمثابة تنازل عن الكرامة الانسانية والقيم الدينية السمحة.
إن اعادة ترسيخ القيم والاخلاق لا يأتي بالكلمات او الشعارات انما بالممارسة والقدوة والنموذج وسيادة القانون، فالقيم والاخلاق اساس اصلاح المجتمع، وسيادة القانون تًعنى خضوع الدولة ومؤسساتها وافراد الشعب تحت مظلة القانون والعدالة دون تمييز مع مواجهة الفساد والانحراف بأشكاله المختلفة والمحاسبة العادلة والناجزة لأي جرائم ترتكب بدافع الغرائز أو الشهوات، إن بناء الدولة يصاحبه اعادة لقيمنا واخلاقنا الجميلة التي تعلو فيها رايات المحبة الاخلاص، ونبذ العنف والكراهية، وعمل الدراسات العلمية لعلاج العنف الاسري والتعامل مع ظاهرة اطفال الشوارع والعنف اللفظي واحترام الاخر وتقوية اواصر العلاقات الطيبة بين الناس، والالتزام بالتشجيع الرياضي المحترم دون أى سباب او الفاظ او افعال خارجه لضمان علاج اي شروخ اجتماعية او طبقية وبما يحافظ على الامن والامان في مجتمع راقي متقدم خلقيا وعلميا وثقافيا وتنمويا واقتصاديا لبناء مستقبل يليق بالأجيال القادمة.