د. بهاء حلمي يكتب: تلوث البيئة بالقاهرة بين السندان والمطرقة

قال الشاعر” شاطر ومشطور وما بينهما”  الامر الذى ينطبق على الوضع الحالي للمقيمين بالقاهرة في ضوء ما يتداول عن صحة تقارير بشأن حصول القاهرة على المركز الأول عالميا في تلوث البيئة.

فالشاطر يتمثل فيما تداولته بعض الصحف الاجنبية بشأن تقارير منسوبة لبعض المنظمات الدولية مفادها أن القاهرة هي المدينة الاكثر تلوثا في العالم من حيث تلوث الهواء والضوء والضوضاء بعد أن كانت في المركز الثاني سابقا، في إشارة الى الاثار السلبية التي تنعكس سواء كان على صعيد الصحة العامة أو السياحة أم على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمصر.

 والمشطور يتمثل في بيان وتصريحات مسئولي وزارة البيئة التي تشكك في صحة بيانات تلك التقارير بعبارات مرسلة مثل عدم صدور تلك البيانات عن الوزارة، وأن اعمال رصد ملوثات الهواء تتم من خلال الشبكة القومية التابعة للوزارة وأنها الجهة المختصة بإصدار التقرير السنوي لحالة البيئة في مصر، وأن الحكومة المصرية وضعت أهدافا لتحسين جودة الهواء في إطار الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، وأن الوزارة تخطط لزيادة معدلات تدوير المخلفات البلدية والزراعية، وبالنسبة للضوضاء قالت الوزارة إن القياسات تشير إلى عدم الدقة على الرغم من ازدحام العاصمة والنشاط التجاري المستمر لساعات متأخرة من الليل، وهو ما يعني أن وزارة البيئة تستنكر وضع القاهرة المدينة الاولى الاكثر تلوثا في العالم مع قبولها ضمنا بالمركز الثاني الذى كانت عليه في تقارير سابقة.

وبين الشاطر والمشطور يقع “المفعول به” الذى يتمثل في المقيمين والمترددين على مدينة القاهرة سواء كانت تتربع على المركز الاول أم انها ما زالت بالمركز الثاني في قائمة المدن الاكثر تلوثا في العالم لأن كل من سوف يستنشق هواء القاهرة سيكون في دائرة خطر الإصابة بالأمراض مما ينعكس سلبا على صحة الاجيال المتعاقبة اضافة الى التأثير السلبى على الاستثمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والامن القومي بالبلاد.

وهنا يثار التساؤل عما اذا كان اسلوب تعامل الحكومة ممثلا في وزارة البيئة مع هذا التقرير، أو رؤيتها في التعامل مع هذا الملف الخطير بهذا الشكل أمر يتوافق مع الاسلوب العلمي والمعرفة والمصداقية في عرض المشكلات للوصول لأفضل الحلول أم أن الأمر يترك هكذا؟

إن اخر تقرير عن حالة البيئة في مصر كان في 2016 وصدر في 2017، ولا يوجد تقارير أو دراسات أخري عن التلوث على مستوي مدينة العاصمة أو الجمهورية وفقا للموقع الرسمى للوزارة بشبكة الانترنت.

 وتضمن هذا التقرير حصر لأسباب ومصادر تلوث الهواء التى تشكل خطورة على صحة الانسان والكائن الحي بصفة عامة في مصر محددا ستة انواع منها تدخل في غالبيتها عوادم السيارات واحتراق الوقود ومداخن المصانع، وخلص التقرير الى بعض التوصيات منها التوصية بضرورة الاستعانة بخبرات الدول التى سبقتنا لاجراء دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي، الامر الذى يدعو للتساؤل اين الحجة والبرهان الواقعى والعلمي الذى اتبعته وزارة البيئة للرد على مثل تلك التقارير، اين احصائيات وزارة الصحة عن الامراض واسباب الوفيات، اين استراتيجيات ومبادرات زرع الاشجار، والاستراتيجيات الوطنية في قطاعات الصناعة والسياحة والنقل، اين محطات الكشف على السيارات عند تجديدها وقاعدة البيانات التى يتم اعدادها بغرض الحد من مصادر التلوث وليس لتحصيل رسوم اضافية فقط، اين خطة الدولة لتخفيف حدة التلوث عن القاهرة، أين خطة ودور الوزارة وجهودها الموثقة لمواجهة هذا التلوث، أين الجهود المنسقة دوليا مع الجهات المختصة مثل جمعية الامم المتحدة للبيئة، ومنظمة الصحة العالمية وغيرهما لعلاج هذا الخطر على حياة البشر.

صحيح هناك جهود مبذولة لتنمية الوعى لمجابهة الشائعات إلا أن عدم التعامل بشفافية وفكر مستنير مع المشكلات على الاخص في مجال التلوث والبيئة سيؤدى الى فقد المواطنين لمصداقية تقارير المؤسسات الحكومية وبالضرورة تتأثر روح الولاء والانتماء لديهم كونهم يقعون بين السندان والمطرقة ( آمرين كلاهما شر) حيث أن السندان هو ما يطرق الحداد عليه الحديد.

About Post Author