د. بهاء حلمي يكتب: ثقافة وأشبال داعش.. منطلقات جديدة للإرهاب الدولى

صنع داعش أبجدية عالمية خاصة به تعتمد على كلمات ومفردات تعبر بجلاء عن لغة وثقافة لا تتطلب ترجمة لفهمها أو البحث عن معناها، فهى مفردات للغة العنف وثقافة الموت والترويع وتخويف الناس فى جميع بقاع الأرض.

كما تشير تلك الأبجدية إلى عقيدة وهوية واستراتيجية داعش التى تقوم على «الترويع/ التفجير/ الحرق/ الخطف/ الدهس/ الذبح/ الغرق/ الطعن/ النحر/ الرمى بالرصاص/ الرمى من أعلى بناية/ الاغتيال/ الأحزمة الناسفة/ السيارات والدراجات المفخخة/ نزع الأحشاء/ الاغتصاب/ الأشلاء…» وكل ما يمكن تخيله من أفكار ضد الحياة والإنسانية.

وحرصا من التنظيم على ترسيخ تلك الثقافة فقد خلق جيلا جديدا من البراعم والأشبال «الأطفال» الذين تمت تنشئتهم على أيديولوجية وثقافة العنف، وإرضاعهم الدم وفنون القتل، وتدريبهم على قطع رءوس الدمى وتنفيذ عمليات الإعدام بطرق مختلفة بعد نزع الإنسانية والرحمة والبراءة من قلوبهم ليشكلوا كوادر المستقبل الذين يسيرون على خطى والديهم بالتنظيم على أمل تحقيق حلم إقامة دولة الخلافة عبر الحدود على أنقاض القيم الإنسانية لإعلاء هوية داعش.

إن استخدام داعش للأطفال فى هجمات انتحارية لم يكن صدفة وإنما كان جزءا من استراتيجية أوسع لزراعة جيل جديد من المتشددين وتلقينهم أفكار التنظيم- وفقا لتعبير صحيفة واشنطن بوست الأمريكية- فقد أطلقوا على هؤلاء الأطفال مصطلح الأشبال بعد دمجهم فى آلة الحرب التابعة للتنظيم، وقد سبق ظهور العديد من مقاطع الفيديو لأطفال يقومون بتنفيذ عمليات إعدام مما يشير إلى نجاحهم فى غسل أدمغة هؤلاء الأطفال وإشباعهم بالأيديولوجية القتالية، ومن خلال تحليل تلك المشاهد يتبين مستوى التدريب الذى وصلوا إليه فى كيفية قطع الرؤوس وتنفيذ العمليات الإرهابية المركبة مثل الهجوم بالأسلحة ثم التفجير بالأحزمة الناسفة أو العربات المفخخة لوقوع أكبر عدد من الضحايا.

ونلاحظ امتداد ثقافة واستراتيجية داعش فى استخدام الأطفال لغالبية الجماعات الإرهابية فى مناطق النزاعات المسلحة سواء كانت فى سوريا أو العراق واليمن أم مع جماعة بوكو حرام وغيرها، ويمكن رصد ذلك فيما تداولته بعض وسائل إعلام عراقية فى اغسطس 2016 من لقطات توثق إلقاء القبض على طفل قبل تفجير نفسه فى مدينة كركوك بالعراق، كما تداول أن عملية غازى عتاب الانتحارية فى تركيا التى راح ضحيتها العشرات من المرجح قيام طفل بتفجير نفسه.

وتشير الإحصاءات حسبما ذكرت روسيا اليوم أن مجموع الأطفال الذين جندتهم جماعة بوكو حرام لتنفيذ تفجيرات انتحارية فى نيجيريا هذا العام زاد بمقدار أربعة أضعاف عن أعداد عام 2016، وأثبت بيان اليونيسيف أن 83 طفلا فجروا أنفسهم منذ بداية العام الجارى منهم 55 فتاة أغلبهن تقل أعمارهن عن 15 عاما، و27 طفلا أحدهم كان رضيعا مربوطا بجسد فتاة.

أما الشريط المصور الذى نشره داعش الشهر الماضى والذى ظهر فيه بعض الأطفال يتحدثون لغات أجنبية ويقومون بإعدام بعض الرجال عن طريق الذبح بالسكاكين، مع التهديد بتنفيذ عمليات إرهابية جديدة فى أوروبا والدول المشاركة فى التحالف الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة للحرب على داعش يجب أخذه بعين الاعتبار.

ومن ثم فيتعين على جميع الدول التعاون مع الرؤية المصرية لمكافحة الإرهاب وعلى الأخص فى الجانب المعلوماتى والمخابراتى، وتعيين مصادر التمويل لمواجهة تلك المخاطر وتوعية الأسر والنشء ضد الخبث بشبكة المعلومات الدولية، ومراجعة الخطط الأمنية مع الاستفادة من التجارب والدروس السابقة والبعد عن النمطية والأساليب التقليدية حتى يمكن مجابهة المنطلقات الجديدة للإرهاب الدولى.

About Post Author