سياسة جديدة للصين في النظام العالمي

د. بهاء حلمي يكتب:

أقر البرلمان الصينى في الاسبوع الاخير من ديسمبر 2020م تعديلا مهما على قانون الدفاع الوطنى مفاده السماح بلعب دورا أمنيا خارج الحدود اعتبارا من يناير 2021م، وأعلنت الصين أنه سيكون دورا فريدا في حماية الاستقرار والسلام عبر العالم .

يبدو للبعض ان هذا التعديل جديدا على دستور الصين وسياستها الخارجية والعسكرية حيث يقوم دستورها على مبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة،التعايش السلمي والحفاظ على السلام العالمي كما تعتمد استراتيجيتها على الالتزام بالسياسة الدفاعية ومبدأ عدم التدخل في شئون الدول الأخري احتراما لسيادتها، ورفض استخدام القوة ضد اى دولة تأسيسا على فرض حقوق الانسان او لنشر الديمقراطية. مع حظر استخدام القوة ضد اى دولة إلا في حالة الدفاع الشرعى دفاعا عن النفس في مواجهة اى اعتداء.

وهنا يثار التساؤل عن طبيعة ودوافع هذا التعديل وتوقيته؟

يبدو أن الصين قررت تغيير استراتيجيتها في التعامل السياسي والعسكري على الصعيد العالمى بعد اشتداد الحرب الاقتصادية التى قادها الرئيس الامريكى السابق ترامب ضدها واتهامها بالمسئولية عن نشر فيروس كورونا في العالم، و التوتر المتصاعد الذى وصل لحد التهديد العسكري بين امريكا والصين في بحر الصين الجنوبية إثر الاعلان الامريكى بدعم تيوان والدول الأسيوية المطلة على البحر الصينى الجنوبي.

على الرغم من تحذير بكين العلني لحكومة تيوان التى يدغدغ مشاعرها روح الانفصال بانه في حال اتخاذ اى اجراء من جانب تايوان في هذا الإطار ستقوم باستخدام القوة العسكرية لبسط سيادتها على الجزيرة حتى لو كان بدعم امريكى.

وعند زيارة مسئول الادارة الامريكية في الايام الاخيرة من عهد ترامب قامت الصين بمناورات عسكرية ضخمة مع الدفع بمجموعة حاملة طائرات بقيادة الحاملة الأحدث في الصين شاندونغ الى مضيق تايوان في طريقها

للتدريبات العسكرية في ظل وجود قوات الجيش الامريكى في بحر الصين الجنوبي في سابقة هى الاولى من نوعها. مما أثار مخاوف تيوان التى ناشدت بكين بالتحلي بضبط النفس.

ردت بكين بأن وجود القوات الامريكية في بحر الصين الجنوبي هو دعوة ضد السلام، وتعدي على المياة الاقليمية.

يشار الى قيام الصين بإنشاء مئات الجزر الطبيعية والصناعية ببحر الصين الجنوبي اعتمادا على التقنيات الحديثة مما جعلها مياه اقليمية لها الحق في بسط نفوذها عليها، وهو الامر الذى تعارضه الولايات المتحدة حتى الان .

ربما اقتنعت الصين بإن السلوك الامريكى تجاهها ناتج عن قناعات الادارة الامريكية وتخوفها من صعود الصين المتنامي كقوة عظمى في العالم وتصنفه كتهديدا لها . بغض النظر عن طبيعة الإدار ة سواء من الحزب الجمهوري ام الديمقراطي، خاصة وأن هذه التخوفات والقناعات ترتكز وتتردد بين مراكز الدراسات ووسائل الاعلام الامريكية التى تطالب بضرورة العمل مع الحلفاء لمواجهة الصين.

يبدو تأثير تلك الاسباب والدوافع واضحا على قرار قادة الصين بتغيير العقيدة السياسية والعسكرية للحفاظ على مكتسباتها ومصالحها وخططها الممتدة علي مستوى العالم باسلوب مختلف عما سبق .

فلديها مشروع طريق الحرير الذى يربط العالم بتمويل صينى ضخم يُعنى فتح بوابة عالمية جديدة للتجارة العالمية تحت قيادة الصين وفقا لمفهوم واسلوب تعامل جديد يختلف عن اسلوب الرأسمالية المتبع حاليا في التجار العالمية مما يعيد توازن القوى العالمية الأمر الذى يتطلب حماية وتأمين وربما يحتاج الى انشاء قواعد عسكرية وبحرية مختلفة كالقواعد الامريكية والروسية ..وغيرها .

اما توقيت اعلان التعديل الصينى على قانون الدفاع فجاء في وقت اشتداد الصراع على تولى الادارة الامريكية ، ومغادرة الرئيس الامريكى ترامب بسياساته، وتولى رئيس ديمقراطي جديد، مستغلة تراجع النفوذ الامريكي في كثير من مناطق العالم.

لتضع امامه استراتيجية الصين ودورها الجديد في النظام العالمي. لتبدأ مرحلة اخري من الصعود كقوة عظمي.

About Post Author