3 يوليو يوم الاستجابة للإرادة الشعبية

لم يكن تحرك القوات المسلحة المصرية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ورفاقه من القيادات والقوات يوم 3 يوليو 2013 -إلا استجابة للإرادة الشعبية في مشهد تاريخي ضم قيادات الأزهر والكنيسة والقضاء والشباب، ليعلن خريطة طريق تبدأ بإقالة مرسى، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العُليا المستشار عدلي منصور- رئيسًا انتقاليًا للبلاد.فقد فصل يوم 3 يوليو بين عهدين؛ الأول: الفوضى السياسية والاقتصادية والأمنية والفشل والإقصاء والتحريض الطائفي وبيع أرض الوطن. تنفيذا للمخططات الممولة من أوباما وأعوانه. والثاني: استعادة الدولة الوطنية ومؤسساتها ومكانتها ودورها الإقليمي والدولي. وهنا يُثار التساؤل: كيف كانت مصر قبل هذا اليوم؟ وإلى أين صارت بعده؟والإجابة.. عاشت مصر قبل 3 يوليو عامًا مرعبًا، انكشف فيه المشروع الحقيقي لجماعة الإخوان. لم تكن أزمة الدولة حينها في قلة الخبرة، أو ضعف الإدارة فقط، أو التوجه إلى التوريث فقط، بل في وجود نية واضحة لاحتلال مؤسسات الدولة من الداخل، واستبدال الهوية الوطنية بهوية أممية، تتبع الولاء للتنظيم لا للوطن.شهدنا محاولات أخونة القضاء، والصدام مع الجيش والشرطة، وتهميش الأزهر، وتوظيف الإعلام الرسمي لخدمة خطاب الجماعة وولائها الكامل لأصحاب فكرة الفوضى الخلاقة، فوق هذا كله تفجّرت الأزمات الاقتصادية، وتعطّلت المرافق، وانتشر الغلاء، وغاب الأمن في الشوارع، وانهارت كفاءة المؤسسات وقدرتها، وغاب القانون، وأصبح العقاب هو القتل والإعدام والحرق والتدمير، المعروف بنهج «داعش»، كل هذا تزامن مع لهجة تهديد علني من قيادات الجماعة للشعب بأن مَن يعارض «الشرعية» سيدفع الثمن.وكان المشهد الإقليمي وقتئذ، سوريا تحترق، والعراق يتفتت، وليبيا دخلت نفق السلاح والميليشيات، واليمن ينزلق نحو الطائفية، وكانت مصر بما لها من ثقل استراتيجي وجغرافي وسكاني الهدف الأكبر لمشروع إسقاط الدولة المركزية.لم يكن ممكنًا أن تظل مصر متماسكة إذا استمر هذا الحكم؛ لأن استمرار الجماعة كان يعنى الدخول في مرحلة حرب أهلية، وتدخلات خارجية بحجة حماية الديمقراطية، أو حتى إعادة احتلال سياسي واقتصادي تحت لافتات خادعة.وجاءت لحظة الإنقاذ في 3 يوليو بخريطة واضحة؛ تلبية لطلب الشعب تتضمن (دستورا جديدا- انتخابات حرة- بناء مؤسسات قوية) لكن الأهم أن الدولة استعادت هيبتها، وبدأت في فرض الأمن ومحاربة الإرهاب الذى أطلقته الجماعة انتقامًا من سقوط مشروعها. ولم يكن الأمر سهلا، فقد خاضت مصر حرب وجود حقيقية ضد الإرهاب، وإعادة بناء الكنائس التي تم هدمها وتفجير بعضها، ومديريات الأمن والاغتيالات التي راح ضحيتها مئات الشهداء من أبناء الشعب بالجيش والشرطة والمواطنين الأبرياء، والتشكيك، والحصار الاقتصادي، وحملات التشويه الدولية، والشائعات المتصاعدة، وبثّ وسائل إعلام معادية مدعومة ومستمرة، حتى الآن، لتنشر الظلام والسواد على كل إنجاز مع استغلال الظروف الاقتصادية، وبعض الأزمات الموجودة بالمنطقة.لكن بالمقابل، انطلقت أكبر عملية بناء للدولة في تاريخ مصر (مشروعات قومية عملاقة، شبكات طرق ومرافق جديدة، تطوير الجيش، نهضة عمرانية لمواجهة أزمة السكن وتوفير حياة كريمة، وبناء مؤسسات حكم أكثر كفاءة).كما استعادت مصر دورها الإقليمي، وأصبحت فاعلًا رئيسيًا في ملفات ليبيا، والسودان، وغزة، وغيرها، مدفوعة برؤية قائمة على ثوابت الأمن القومي، لا المغامرات العقائدية.3 يوليو ليس لحظة سياسية عابرة، بل هو تاريخ لإنقاذ الدولة في لحظة مفصلية، يوم قررت مصر أن تبقى وأن تختار طريق الدولة لا التنظيم أو التقسيم، طريق السيادة لا التبعية، طريق الوطن لا الوهم والهدم.ومع كل ذكرى جديدة، يجب أن نستدعى هذا الدرس جيدًا “مَن يتهاون في دعم الدولة يفتح الباب لعودة مَن أرادوا بيعها، ومَن ينسَ ما قبل 3 يوليو فقد يصحُ على كابوسه من جديد”.الخطر قائم ومتصاعد من الخارج والداخل، وهناك محاولات لإثارة القلاقل باستخدام كافة الوسائل الإعلامية والإعلانية ومواقع التواصل، وتوجد خلايا نائمة تطل برأسها من ثقوب سوداء لتتحين فرصة لزعزعة الاستقرار، وآخرها وليس بآخر «القافلة» وإشعال الحروب حولنا، ومحاولات التهجير التي تتصاعد في وجه مصر التي تتصدى لها وحدها، ولا يغيب عن الدروس المستفادة من مشهد المهاجرين في الدول التي كانت تنادى بالديمقراطية والإنسانية والتي تبخرت وتحولت إلى إبادة في غزة.3 يوليو لا بد أن يكون محفورا داخلنا، وحافزا لحماية وطننا بالتماسك والوحدة والترابط، وتحمل الظروف الصعبة ومواجهة الأزمات، في وقت ينذر بأخطار كبيرة على العالم والمنطقة.تحية تقدير وإعزاز للشعب المصري العريق وقائده وطوائفه وجيشه وشرطته، ولا يبقى لنا سوى الوعى بالسلام والتماسك بوحدتنا. ونأمل في تبنى الإعلام رؤية جديدة واعية مستنيرة متطورة في عصر الذكاء الاصطناعي.. تحيا مصر.