تنظيم النسل بين الفكر والمعتقد
د. بهاء حلمي يكتب:
تُعد مشكلة الزيادة السكانية أبرز التحديات المستمرة التى تواجه مصر منذ ستينات القرن الماضى والتى وصلت بعدد السكان إلى 103 مليون نسمة تقريبا لانها ببساطة تلتهم موارد الدولة وتثقل ميزانيتها بأعباء متعاظمة تؤثر سلبا على خطط التنمية بالبلاد.
إن النمو السكانى بمعدل 1.5 مليون نسمة خلال عام 2021م يتطلب نمو اقتصادي بما لا يقل عن 7.5% لتلبية احتياجات هذه الزيادة فقط وذلك لتوفير التعليم والصحة وايجاد فرص للعمل وتوفير معيشة كريمة لهم.
هذا بخلاف متطلبات خطط التنمية بالدولة التى تهدف إلى زيادة الانتاج وتحقيق أعلى معدلات للنمو الاقتصادي في ضوء تعاظم التحديات الاخري المتنامية التى تواجه العالم في الوقت الراهن نتيجة تداعيات “فيروس كورونا-الحروب الدائرة حاليا” التى أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل غير مسبوق، كما ان تأثير الحرب على توريد الاقماح والسلع الغذائية سيؤدى الى زيادة الاعباء المالية على الدولة والفرد على حد سواء وينعكس سلبأ على سعر الصرف ومعدلات النمو الإقتصادي بالبلاد.
إن الحديث عن زيادة معدل الانجاب في مصر بواقع مولود كل 14 ثانية، وبمعدل خصوبة يصل إلى 3.4% سوف يؤدى الى زيادة عدد السكان إلى 150 مليون نسمة خلال العشرين عاما القادمة في الاحوال العادية.
لذلك تعتبر الزيادة السكانية غولاً يبتلع الموارد الطبيعية والقوة الإنتاجية ويهدد الاقتصاد القومي والأمن الغذائي ويؤثر سلبا على مستقبل الاجيال القادمة.
مما يحتم علي الجميع ضرورة التعاون في مواجهة هذا التحدي والتعامل معه بشكل علمي من خلال تنظيم النسل وتقليل معدلات الانجاب الى النسبة التى تحقق حياة كريمة للابناء والاسرة والمجتمع ككل.
وتقويم التجارب الدولية والمحلية السابقة في مجال تنظيم الاسرة واستخدام وسائل منع الحمل وعمل الدراسات اللازمة بدعم من شركاء صندوق الأمم المتحدة للسكان، ووسائل واساليب التوعية بالصحة الانجابية وغيرها من البرامج الأممية والوطنية المختلفة للوصول لأفضل الحلول الممكنة والتى تتناسب مع مجتمعنا لعلاج هذه المشكلة.
لقد اعلنت الدولة عن العديد من المبادرات الرئاسية التى تهدف الى علاج مشكلة الزيادة السكانية وتغيير نمط الحياة الصعبة لقطاع عريض من اهالينا بالريف والمناطق الاكثر فقرا بتوفير حياة كريمة بما يتوافق مع مبادئ وقيم حقوق الانسان.
كمبادرة (2كفاية)، ومبادرة (حياة كريمة)، واعلن مؤخرا عن المشروع القومى لتنمية الاسرة المصرية الذى يعتمد على: الارتقاء بالخصائص السكانية، وضبط النمو السكانى.
وجاء حديث السيد رئيس الجمهورية للمواطنين خلال شهر فبراير الماضى محذرا من اسباب مشكلة الزيادة السكانية ومخاطرها ووسائل العلاج “بكل وضوح وصراحة”.
وقد حظى توجه الدولة بالدعوة الى تنظيم النسل لتوفير حياة كريمة للابناء والاسر بدعم المؤسسات الدينية وخاصة من الكنيسة المصرية، ومن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الذى أعلن أن تنظيم النسل حلال ..حلال ..حلال.
إلا أن هذه الجهود تواجه صعوبات كبيرة على ارض الواقع متمثلة في المعتقد الدينى الراسخ لدى الكثير من الناس بأن تنظيم النسل حرام ومخالف للدين، وان الاسلام يشجع على زيادة النسل باعتبار أن الكثرة البشرية مصدر قوة، وان البشر هم أساس وهدف التنمية ، وهو محتوى ومضمون خطاب التيار السلفي في هذه المسألة.
حيث يعتمد في نشره لتلك الافكار والمعتقدات على وسيلتين،الاولى: الآمثال الشعبية “كالعيل برزقه”، و “الابناء عزوة” وغيرها، أما الوسيلة الثانية هي: الالتزام بالاصولية في مواجهة تجديد الخطاب الدينى وفقا لمستجات العصر.
ربما يكون تأثير المعتقد اقوى من تأثير الفكر بيم اوساط المجتمع المصري الأمر الذي يتطلب معه تكريس كل الجهود لوضع استراتيجية جديدة لتنمية الوعى لدى افراد المجتمع وخاصة بالريف المصري ونسبتهم حوالى 60% تقريبا من اجمالى عدد السكان في مصر يكون الجانب والمعتقد الدينى محورا اساسيا فيها إضافة الى محاور الاعلام والتوعية بالصحة الانجابية والتعليم ومقومات الحياة الكريمة مع تخصيص ومنح حوافز مادية وتوفير المشروعات الصغيرة لكل من يلتزم بتلك الاستراتيجية، مع فتح جسورا للحوار وتبادل الاراء مع اصحاب المعتقدات الخاطئة او التى ادت إلى تسونامى الانفجار السكانى في مصر بهدف الوصول الى حلول حقيقية قابلة التنفيذ على ارض الواقع تتماشي مع العصر لتوفير معيشة وحياة كريمة ومحترمة للمواطن المصري في اى مكان بالجمهورية الجديدة.