د. بهاء حلمى يكتب: الفساد جسد واحد برءوس متعددة وأشكال مختلفة
قد يختلف مفهوم الفساد من عصر لآخر ومن مكان لآخر إلا أنه لا يقتصر على شعب دون غيره أو دولة دون أخرى، فالفساد جسد واحد مهما تعددت تعريفاته أو مفاهيمه أو صوره وأشكاله، فهناك الفساد السياسي، والفساد الاقتصادى والمالى، وفساد فى إعادة الحقوق لأصحابها، وفساد إدارى وفساد أخلاقى وفساد ثقافى وآخر اجتماعى. فقد أصبح الحصول على رشوة أو المحسوبية أو الواسطة أو اختلاس المال العام وغيرها ظاهرة عالمية ومحلية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة. ومن جهة أخرى فإن وسائل وأساليب الفساد تتطور بشكل مستمر كإفراز ونتاج للعولمة والتطور التكنولوجى الهائل وما يتوافر على الشبكة العنكبوتية من أفكار ووسائل يساهم فى ارتكاب المزيد من جرائم الفساد على كافة الأصعدة وفى كل مناحى الحياة. سمعنا عن الفساد فى الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا)، والأحكام الصادرة ضد بلاتر وبلاتينى بالإيقاف عن ممارسة أنشطة الكرة لمدة 6 سنوات وخفضت إلى 4 سنوات وغرامة مالية، قبل صدور حكم المحكمة الرياضية الأسبوع الماضى فى لوزان السويسرية بتخفيض الغرامة إلى 55 ألف يورو نظير حصوله على مبلغ مليونى فرنك سويسرى الأمر الذى يعد تكريسا للفساد أيضا، وبالأمس القريب أعلن عن وثائق بنما والحسابات الخاصة للعديد من السياسيين مثل ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا، وهناك الشركات العابرة للقارات فيما وراء البحار التى تدفع باستثمارات ضخمة فى المشاريع الوطنية دون معرفة المستثمرين أو المساهمين فيها، ولا يخفى على أحد عمليات غسل الأموال التى تتم فى العقارات ببريطانيا أو الولايات المتحدة والعديد من دول العالم المختلفة سواء كان فى العقارات أو الأنشطة الرياضية وشركات الرعاية لفرق الكرة الأوروبية تحت سمع وبصر حكومات تلك الدول التى تنادى بالقيم الأممية لمكافحة الفساد والنزاهة. أما استشراء الفساد فى مصر بات موروثا يجب التخلص منه، فكثرة التشريعات وتضاربها وسياسات التعيين العشوائية وغير المخططة، وتدنى مخصصات التدريب، وتباين الأجور دون معايير شفافة وعادلة، وتدنى الإنتاج وضعف نظم المتابعة وتقييم الأداء، وعدم الاعتماد على الكفاءة فى اختيار المديرين والموظفين. إضافة إلى البيروقراطية الحكومية وتعقد الإجراءات، وقصور الهياكل التنظيمية للجهاز الحكومى والإدارى بالدولة، وضعف الرقابة، وطول الإجراءات القضائية، وعدم توافر الشفافية، والقبول المجتمعى للفساد الصغير، وضعف دور وسائل الإعلام فى التوعية بمشكلة الفساد. كل ذلك أدى إلى شيوع ثقافة الفساد داخل المؤسسات الحكومية وغيرها، كما أفرز الاقتصاد الموازى والتهرب الضريبى وعرقلة التنمية الاقتصادية والبشرية وزيادة التفاوت الاجتماعي، وخير مثال لذلك الفساد بالمحليات، وقد يظهر الفساد فى القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى ولا يقتصر على القطاع العام. ولا نبالغ إذا قلنا إن الفساد التحدى الأهم الذى يحتاج لمواجهة وحرب أكثر ضراوة وتكلفة من الإرهاب، فلابد من تبنى رؤية وطنية متكاملة لمكافحة الفساد فى كل موقع للعمل بالوزارات والهيئات والمرافق العامة والخاصة وخدمات المواطنين، وترسيخ قيم النزاهة والوطنية والمواطنة لدى أطفالنا وابنائنا منذ الالتحاق بالمدرسة والمعهد والجامعة والمصنع والهيئة والمصلحة والنادى مع توجيه المناهج والبرامج التربوية والدينية والإعلامية لمواجهة الفساد. صحيح يوجد العديد من التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية إضافة إلى الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2014 ــ 2018 التى تم إعدادها بمعرفة اللجنة الفرعية التنسيقية لمكافحة الفساد، والتى تهدف إلى مكافحة الفساد بالمجتمع المصرى ومحاصرته وتفعيل ثقافة مجتمعية رافضة للفساد. الآن وبعد انقضاء النصف الأول من الاستراتيجية نتساءل عما تم إنجازه ومعدلات ومؤشرات الأداء وقياس الفساد فى مصر، فإذا كان عدم توافر الشفافية الكافية أحد أسباب الفساد فى مصر كما ورد بتلك الاستراتيجية، فعلى الأقل يجب علينا أن نتبع الشفافية ونعترف بمشكلاتنا بغرض التوصل لحلول تؤدى إلى بناء مستقبل وجيل جديد يعمل بنزاهة وشرف.