د. بهاء حلمي يكتب: التمييز ضد المرأة بين الدستور والقانون
قرر دستور 2014 أن المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس.. وأنه فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق.. وأن لجسد الإنسان حرمة والاعتداء عليه جريمة يعاقب عليها القانون.. وأن الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصاً.. وتوفر الدولة الحماية للمجنى عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين.
أما قانون العقوبات المصرى فقد أخذ اتجاه التمييز بين الرجل والمرأة فى عدة مواضع منها على سبيل المثال عقوبة الزنى فى منزل الزوجية تكون الحبس مدة لا تزيد على سنتين للمرأة التى ثبتت فى حقها الجريمة بينما يجازى الزوج عن نفس الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور.
كما يعاقب القانون الزوج فى حالة قتله الزوجة حال تلبسها بجريمة الزنى بالحبس بدلا من العقوبات المقررة لقتل نفس عمداً أو دون قصد القتل بينما لا يجيز القانون ذلك للمرأة، وهنا لم تتم المطالبة بارتكاب مثل تلك الجرائم التى تخرج عن نطاق القيم والمبادئ وتقاليد المجتمع والاعراف السائدة بل تأتى فى سياق الدراسة الفقهية والعلمية والاجتماعية والإنسانية أيضا.
ويفرق القانون بين الرجل والمرأة فى مجال سلطة وقف تنفيذ العقوبة حيث قرر القانون منح الزوج سلطة وقف تنفيذ العقوبة على الزوجة بعد الحكم عليها بالحبس فى حالة إدانتها فى جريمة الزنى إذا رضى بمعاشرتها له دون أن يقرر ذلك الحق بالعفو للزوجة فى حالة ارتكاب الزوج لتلك الجريمة وتوقيع العقوبة عليه.
ويعاقب القانون على صور العنف المختلفة عدا بعض الحالات مثل حالة ضرب الزوجات تحت ستار حق التأديب الذى يمارسه بعض الأزواج ضد زوجاتهم حيث يرى البعض أنه وإن أبيح للزوج تأديب زوجته تأديبا خفيفا على كل معصية لم يرد فى شأنها حد مقرر، إلا أنه لا يجوز أصلا أن يضربها ضربا فاحشا وحد الضرب الفاحش أن يؤثر فى الجسم ويغير لون الجلد، وأن يكون محكوما بغاية الإصلاح والتهذيب وهو ما يتفق مع العلة فى تقريره.
وعلى الرغم من تجريم جرائم السب والقول بعقوبة الحبس إلا أن واقع الحال فى الغالب ما يتم التأثير على المرأة للتنازل عن حقها إذا ما وقع هذا السب من الزوج حتى لو أدى إلى جرح مشاعرها.
ومن ثم فإن مثل تلك النصوص القانونية ضد المرأة لا تكرس التمييز والعنف وعدم المساواة ضدها فحسب بل هى تخالف المبادئ الدستورية التى تقضى بعدم التمييز بسبب الجنس، وأن الجميع متساوون فى الحقوق والواجبات.
وإذا كان القانون اعطى الزوج سلطة وقف تنفيذ العقوبة على الزوجة فى جريمة الزنى اذا ما رغب فى الحفاظ على رابطة الزوجية والحياة الاسرية فيكون بمفهوم المخالفة له الحق فى تقييد حرية الزوجة تعسفا بناء على الحكم الصادر ضدها ودون أمر قضائى فى حالة عدم العفو عنها مما يتعارض مع احكام الدستور فى هذا الإطار.
أما التعدى بالضرب على الزوجة تحت أى مسمى فلا يعد اهانة للمرأة فقط بل اهانة للكرامة الإنسانية، وهى أفعال غير مقبولة فى أى مجتمعات ديمقراطية تلتزم بسيادة القانون لأنها جرائم تكرس مفاهيم العنف على مستوى الاسرة والمجتمع ككل، وهو أمر يستوجب التجريم والعقاب.
لذلك يتحتم على المجتمع ومجلس النواب النظر فى إلغاء أوجه التمييز التشريعى ضد المرأة وعلى الدولة حمايتها حتى لو كانت متهمة انفاذا لحكم الدستور، وكونها هى الأم ومربية المجتمع وعماده ولا يجوز الحط من قيمتها وإنسانيتها لتنشئة الأبناء والاجيال القادمة وفى وجدانهم الحد الأدنى من السلوكيات والأخلاقيات، ولابد من ايلاء المرأة المصرية الاعتبار الكامل ومكانتها الحقيقية والمساواة بينها وبين الرجل حفاظا على النسيج الاجتماعى والقيم والاخلاق.