د. بهاء حلمي يكتب: المنازل الأسمنتية تهدد سحر الطبيعة فى واحة سيوة

تُعد واحة سيوة من أشهر المواقع السياحية البيئية على مستوى مصر والعالم فهى تقع فى وادى الرمال بالصحراء الغربية المصرية، ويتحدث أهلها اللغة العربية والأمازيغية وبها العديد من الثروات الطبيعية الخلابة ما يجعلها وجهة فريدة للسياحة أطلق البعض عليها جنة مصر المفقودة.
تشتهر واحة سيوة بزراعة الزيتون والبلح وبحيرات الملح وبها عيون مياه طبيعية وبعضها ساخنة وبها عين كبريتية كما تضم أجود أنواع النباتات الطبية مثل النعناع، الشيح، حشيشة الليمون وغيرها.
وتشتهر بالسياحة العلاجية كالدفن فى الرمال، وسياحة السفارى والمغامرات فى الرمال المتحركة، والسياحة البيئية والتاريخية باعتبارها أقدم مواطن البشر حيث يوجد قبر الملك آمون بمنطقة جبل الموتى الذى يضم عدة مقابر منحوتة فى الصخر مروراً بالعصر اليونانى والرومانى، والإسكندر الأكبر ومغامراته مع كهنة آمون، وعين كليوباترا وغيرها، وتضم العديد من الفنادق والمواقع والجدران المقامة من الطين والملح الصخرى الذى يُخرج الطاقة السلبية، وتتميز سيوة بندرة الأمطار خلال العام ما يجعل الملح الصخرى محتفظا بخواصه وصلابته.
والحقيقة أننى أكتب عما شاهدته بتلك الواحة التى اعتبرها جنة مصرية ساحرة وليس مفقودة فالجبال والتباب الصغيرة والمبانى المقامة من الطين المخلوط بالملح تحيط بها من كل جانبٍ ويمكن مشاهدة غروب الشمس وشروقها بشكل بديع وغير مسبوق سواء أكان فى الصور التى تلتقطها أو على الطبيعة وقد رصدنا عدة ملاحظات فى تلك المحمية أولها التنمية بالواحة متمثلة فى مصنع مياه سيوة الذى يعتمد على المياه الجوفية الواردة من الكونغو، ومصنع الملح الذى ينتج أصناف وأنواع الملح وفق أعلى معدلات المعايير الدولية ويقوم بتصدير انتاجه للعديد من الدول الأجنبية، ومصنع زيت الزيتون الشهير بأقل درجة حموضة إضافة إلى بعض مصانع السجاد اليدوى والحرف الأخرى إنها تنمية حقيقية لم تؤثر على طبيعة المحمية بل تجلب العملة الصعبة، وتشغل أهل سيوة فى مشروعاتها واللافت للنظر تلك العلاقة الودية بين مواطنى سيوة وأفراد القوات المسلحة بالمنطقة الغربية العسكرية والتعاون الوثيق بينهم تستطيع أن ترى ثماره فى استقرار الواحة وعدم إمكانية اختراق الإرهابيين لتلك المنطقة.
وهناك مشروعات استثمارية خاصة لأبناء الواحة وعلى الأخص فى مجال التمور بعد تشجيع الإمارات لهم لتطوير صناعات البلح والمربى وإنتاج أنواع جديدة بشكل مميز، وعمل مسابقة سنوية لأفضل المنتجات تحت رعاية الإمارات العربية المتحدة.
إلا أنه كان هناك تخوفاً لدى العديد من المفكرين والعلماء والصحفيين من أن تتحول البدائية الرائعة التى تميز الواحة إلى المدنية وسبق أن أطلق الأستاذ حمودة عبارته «لا تقربوا من هذه الجنة»، ونادى العالم الأستاذ زاهى حواس بضرورة الحفاظ على واحة سيوة التى تعتبر نموذجاً من النظم البيئية الفريدة على مستوى العالم، إلا أن الواقع ينذر بالخطر حيث بدأ بعض السكان فى إقامة منازل جديدة وسط الواحة بالأعمدة الخرسانية والأسمنت والطوب فى مشهد شاذ عن بيئة المكان ما ينذر بخطر طمس معالم تلك الواحة إذا لم يتم إنقاذها من عمليات البناء الحديثة.
إن المبانى والحوائط والأطلال الباقية والمقامة من الطين والملح فى هذه الواحة تتحدث عن نفسها وتحكى تاريخها لكل ناظر إليها، كما أن الحياة وجمال الطبيعة بسيوة دائماً ما يجذب الأنظار ويثير المشاعر الإنسانية والجو النقى والحياة البدائية لما لها من راحة نفسية وحنين الإنسان دائماً إلى الطبيعة التى تبدلت ودمرت على يد المدنية.
أما الخرسانة التى سبق أن دمرت الرقعة الزراعية الخصبة فى مصر فهى صماء تعبر عن وباء وسرطان فى طريقه لتدمير الطبيعة والبيئة فى واحة سيوة التى سبق أن زارها العديد من الملوك والرؤساء والأمراء مثل الأمير تشارلز وأقام بفنادقها التى تعتمد على الشموع والنخيل وسط البحيرات الساحرة.
إننا ندعو الجميع إلى التعاون فى اتخاذ التدابير اللازمة لوقف البناء بالخرسانة والطوب وسط منازل الواحة بشكل فورى وحاسم لأنه بحق هو العدو الرئيسى الذى يهدد سحر الطبيعة بواحة سيوة، ولابد من تعاون وزارة الآثار مع البيئة والمحافظة للحفاظ على تلك الواحة الفريدة، ولا نبالغ إذا طلبنا من الجهات الأمنية لمنع دخول الأسمنت إلى الواحة إلا بناء على تراخيص خاصة توضح الهدف والاستخدام – علينا ألا نكرر ما حدث ويحدث كل يوم حول آثارنا وحضارتنا القديمة – التى تم بناء المنازل العشوائية حولها فكفى، وكلنا أمل فى المستقبل.

About Post Author