د بهاء حلمي يكتب: كورونا ..وسقوط الغرور الانساني
كشفت أزمة كورونا عن عجز دول العالم المختلفة في السيطرة على حركة وانتشار الفيروس أو منع انتقاله من مكان او انسان لأخر.
لقد فشلت غالبية الدول في قراءة مؤشرات الازمة قبل وقوعها، لانها لم تهتم بالتحذيرات عن هذا القاتل الغامض والمجهول المسمى ” فيروس كورونا المستجد”.
في الوقت الذى برعت فيه مصر في حسن تقدير الموقف والتعامل مع الازمة غير المسبوقة بشكل علمي وخطوات هادئة وموزونه.
لقد انتاب سكان الارض حالة من الخوف والهلع، وتضاربت قرارات وسياسات الحكومات المختلفة، وزادت معدلات الاصابات والوفيات بما يفوق قدرات وامكانات المستشفيات ووحدات العناية المركزة، مما ادى الى نفاذ المستلزمات والمعدات الطبية وتكالب الدول في كيفية وعدم امكانية الحصول على المزيد منها امام موجات الاصابة الواسعة.
وقد برز دور الإعلام وعلى الأخص مواقع التواصل الالكترونى في ترويج المزيد من الخوف لدي الشعوب والحكام على حد سواء.
لم يكشف فيروس كورونا عن عجز الدول العظمى- اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا- في التنبؤ بالازمة فحسب بل كشفت ايضا عن عدم امتلاك تلك الدول رؤي استراتيجية لإدارة مثل تلك الازمات.
فدعا حكام الولايات الى مطالبة الرئيس الامريكى ترامب باستراتيجية وطنية لمواجهة هذا الفيروس الذى ضرب البلاد والعباد بلا هواده غير آبه للحدود ولا للسيادة.
ولجأت اليابان الى تشكيل لجنة من الحكماء للاستعانة بهم في ادارة الازمة وكانت الافضل، وتصدرت منظمة الصحة العالمية المشهد واثرت بشكل كبير في اساليب مواجهة الازمة.
توقف الانتاج والتصنيع والنقل وتأثرت سلاسل إمداد الغذاء للدول المختلفة، وتعطلت حركة التجارة العالمية وتوالت الخسائر المادية مما شكل اكبر تهديد للنظام الاقتصادي العالمي.
وتبادلت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا الاتهامات مع الصين بسبب الفيروس في الوقت الذى تستورد فيه غالبية دول العالم من الاخيرة المستلزمات الطبية.
ان هذا المشهد التاريخي يظهر مدي ضعف المؤسسات الصحية بدول العالم، وعجز الحكومات عن اتخاذ قرارات مناسبة، كما كشف عن مدى انانية الدول التى كانت تتباهي بشعارات الديمقراطية والانسانية، بالاستحواذ على الاحتياجات الطبية دون التعاون او التقاسم مع الشعوب الاكثر احتياجا في تلك الازمة .
وعلى الجانب الاخر المضئ في هذه الأزمة قامت كل من “مصر والصين وروسيا وكوبا والصومال وغيرها”، بتقديم المعونات وإرسال المسئولين والفرق الطبية، وهى الدول التى سبق وصنفت من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بانها غير ديمقراطية ولا تلتزم بحقوق الانسان.
في وقت تواري فيه الجميع ليشهد العالم مدى التناقض والخبث البشري.
ان فشل دول العالم المتقدمة في مواجهة هذا الوباء خير دليل على سقوط الغرور الانساني الذى طالما روج له الاعلام الدولى والرقمي سواء كان من حيث الإدعاء بحماية حقوق الانسان والديمقراطية أم من حيث التباهي بالقدرات التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية وصناعة “الانسان الآلى”.
شاهدنا لقطات للربوتات وهى تقوم بتوزيع الطعام على غرف المرضى، أو رش الارضيات، أو رصد الاشخاص وتعقب تحركاتهم على مدار الساعة، دون أى أثر أو دور فعال لهذه الاجهزة في مواجهة الجائحة مقارنة بالقدرات والامكانات والجهود البشرية الهائلة التى يبذلها اعضاء الجيش الابيض.
إن إطلاق مصطلح “الانسان الآلى” على آلات ومعدات الكترونية يظهر بعضها مرتدياً ثياب بشرية انما يعبر عن قمة الغرور والغطرسة التى اصابت الانسان، وما آلت اليه الاخلاق والقيم الانسانية.
ان العقل البشري الذى فكر وابتكر وروج لذكاء الروبوتات وقدرتها على اتخاذ القرارات. عجز امام فيروس لا يري بالعين المجردة.
فمهما وصل الذكاء الاصطناعي من قدرات تكنولوجية ونووية وبيولوجية تضفي روح العظمة وتعزز الغرور الانساني لدي الدولة العظمى وكل من يمتلك مثل هذه الامكانات، إلا انها تقف عاجزة امام هذه المحنه الانسانية.
فليسقط السلوك غير الاخلاقي للانسان الذى تجرأ وأطلق مصطلح انسان على أى آلة أو معدة تكنولوجية من صنع البشر.
على الانسان العودة إلى المبادئ والقيم الدينية الاخلاقية الانسانية وحياته القصيرة على الارض، والتجرد من غرور القوة العظمى والنزول من مظلة الوهم العالية للوقوف على أرض الواقع، وهو أمل قد يكون بعيد الآمال مع الغرور الانساني الراسخ في العقل البشري المحدود.