كيف غيّرت المسيّرات أسلوب الحروب (1)
في السنوات الأخيرة، شهد العالم ثورة تكنولوجية هائلة في مجال الطائرات المسيّرة، أو الطائرات بدون طيار، ما جعلها تلعب دورًا محوريًا في تغيير أسلوب الحروب والصراعات.
فبعد أن كانت الحروب تُخاض بشكل رئيسي من خلال القوات البرية والجوية التقليدية، أتاحت المسيّرات إمكانية شن الهجمات وتنفيذ المهام الاستطلاعية دون الحاجة إلى تواجد بشري مباشر في ميادين القتال قبل تمهيد الارض لدخول القوات البرية. وتتمثل أهمية المسيّرات في كونها تجمع بين الكفاءة العالية والتكلفة المنخفضة نسبيًا، مما دفع العديد من الدول لاعتمادها كأداة رئيسية في استراتيجياتها العسكرية.
شهدت الطائرات المسيّرة تطورًا سريعًا من حيث الأداء والمدى والقدرة على تنفيذ مهام معقدة. فاليوم، يوجد أنواع متعددة من الطائرات المسيّرة، منها المسيّرات الصغيرة للاستطلاع والرصد، وأخرى مزودة بصواريخ وقدرات هجومية مدمرة. كما يمكن لبعض الأنواع المتقدمة أن تبقى في الأجواء لفترات طويلة، تصل إلى عدة أيام واتصالها والتحكم فيها عبر الاقمار الصناعية، مما يجعلها وسيلة مثالية لمراقبة الأهداف وجمع المعلومات دون انقطاع.
هذا التطور التكنولوجي في المسيّرات يعود إلى تزايد القدرة على التصغير، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين قدرة التوجيه الذاتي، وتطوير البطاريات وأنظمة الوقود، مما يمنحها مرونة كبيرة على المدى الطويل.
مع دخول المسيّرات إلى ساحات المعارك، تغيرت قواعد الحرب بشكل ملحوظ. فمن خلال المسيّرات، يمكن تنفيذ هجمات دقيقة للغاية تستهدف القادة أو النقاط الاستراتيجية للعدو، كما أنها تساعد على تقليل الإصابات بين الجنود، حيث تتم العمليات عن بُعد، مما يجعل الخسائر البشرية أقل بكثير في مرحلة تمهيدية للقتال مقارنة بالحروب التقليدية.
وتعد القدرة على الوصول إلى أماكن يصعب الوصول إليها واستخدامها في المناطق الحضرية أحد أهم خصائص المسيّرات. إذ باتت الحروب اليوم تتركز في المدن بشكل متزايد، مما يجعل استخدام المسيّرات لتحديد الأهداف وتجنب الإصابات بين المدنيين أمرًا ضروريًا وحاسمًا.
إن استخدام الطائرات المسيّرة شهد تطورًا ملحوظًا في الصراعات الحديثة والجارية علي ساحة الشرق الاوسط، وفي النزاعات في سوريا، واليمن، ونزاع كاراباخ، والحرب الروسية الأوكرانية.
وفي هذه الحروب، استخدمت المسيّرات لأغراض عدة، منها الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية، بالإضافة إلى استهداف مركبات عسكرية وقواعد وشخصيات محددة اعتمادا علي بصمة الوجه وتحديد المواقع دون اصطحابهم للهواتف المحمولة اعتمادا علي ما خاصية التعرف علي الوجه والمعلومات اللمخزونة بقواعد بيانات وخرائط جوجل .
الامر الذى يعكس كيف غيرت المسيّرات قواعد اللعبة في الحروب. حيث استخدمت أوكرانيا طائرات مسيّرة تركية (بايراقتر) بكفاءة عالية في استهداف قوات ومعدات روسية، وحققت نجاحات ملموسة في تغيير مسار المعارك بشكل لافت، مما سلط الضوء على أهمية الطائرات المسيّرة في النزاعات الحديثة.
على الرغم من المزايا التي تقدمها المسيّرات، إلا أنها تشكل تحديات جديدة في ساحة الحروب. أولاً، يتعين على الدول تحسين قدراتها الدفاعية ضد الطائرات المسيّرة، حيث إن إسقاط هذه الطائرات قد يكون صعبًا في بعض الأحيان بسبب صغر حجمها وسرعتها. كما أن استخدام المسيّرات على نطاق واسع قد يؤدي إلى تزايد الاعتماد على التكنولوجيا وتقليل الحاجة إلى الجنود في بعض المناطق، مما قد يثير تساؤلات حول طبيعة الحروب في المستقبل والدور المتغير للجيوش التقليدية في بعض المناطق.
ولكن المسيّرات تثير قضايا قانونية وأخلاقية. فمثلاً، تُعد بعض المسيّرات شبه ذاتية التشغيل، مما يعني أنها تتخذ قرارات القتل أو الضربات دون تدخل بشري مباشر. هذا يطرح أسئلة حول المسؤولية القانونية والأخلاقية في حال وقوع أخطاء أو إصابات بين المدنيين.
بات من الواضح أن المسيّرات تشكل نقلة نوعية في أساليب الحروب الحديثة، حيث تتيح للدول تنفيذ عمليات عسكرية دقيقة وفعالة بأقل تكلفة وخسائر بشرية. ومع ذلك، يبقى هناك العديد من التحديات التي تحتاج إلى معالجة، سواء من حيث الدفاعات ضد المسيّرات أو من حيث الأبعاد القانونية والأخلاقية لاستخدامها في القتال. كما ان تأثير استخدام المسيرات ضد اسرائيل كان كبيرا (وهو ما سنتناوله في مقالنا القادم).